Friday, April 27, 2012

قصة ساعة




كيت تشوبن

 ترجمة :فتح كساب



       أخبرت السيدة مالارد بخبر وفاة زوجها بأقصى درجات الحذر والتحفظ ، لعلم من جاء بالخبر بأنها تعاني من اضطرابات قلبية .
        كانت أختها جوزيفين هي من أخبرها بالنبأ ، وبجمل متقطعة وبتلميحات مقنعة أظهرت بنصف إخفاء . وكان صديق زوجها – ريتشارد هناك أيضا إلى جانبها . حيث كان ريتشارد من أوائل المتواجدين في مكتب الصحيفة عندما وصل نبأ مأساة حادث القطار . وكان اسم برنتلي مالارد على رأس قائمة القتلى .
        لم يمكث إلا الوقت القليل للتأكد من الخبر بعد وصول برقية ثانية تؤكد المأساة ، واستعجل بحمل النبأ حتى لا يقوم أحد الأصدقاء بنقل الرسالة المحزنة بطريقة أقل حذرا منه .
        لم تسمع القصة كما تسمعها العديد من النساء وهن مشلولات و عاجزات عن تقبل وقع الخبر عليهن .
        بكت بسرعة وبشكل مفاجئ مستسلمة بين ذراعي شقيقتها . وعندما استهلكت عاصفة الحزن نفسها ، ذهبت إلى غرفتها وحدها ولم تسمح لأحد أن يتبعها .
        كان هناك ، في مواجهة النافذة المفتوحة ، كرسي واسع مريح بأذرع جانبية . غرقت فيه ، مستسلمة للإنهاك الجسدي الذي استحوذ على جسدها وبدا كأنه سيصل إلى روحها . وكانت ترى من المربع الواقع أمام بيتها قمم الأشجار متراقصة لحلول حياة جديدة مع قدوم الربيع ، وكانت رائحة المطر اللذيذة تملأ الجو حولها .
        وفي الشارع كان هناك بائع جوال يصرخ لبيع بضاعته . ووصلت إليها نغمات أغنية من بعيد وصوت شخص يغنيها ، وصلت إليها خافتة وأعداد لا تحصى من العصافير تزقزق في الشرفات .
        وكان يظهر من بين الغيوم المتكدسة التي تواجه النافذة بقع من اللون الأزرق هنا وهناك .
        وجلست في الكرسي -  بلا حراك – ورأسها ملقىً إلى الخلف على وسادة الكرسي ؛ ما عدا التنهيدات التي تخرج من حنجرتها وتهزها ، مثل طفل يبكي لينام و تخرج منه تنهيدة في أحلامه .
        كانت شابة ذات وجه جميل وهادئ ، وتقرأ من خطوطه اضطهادا وحتى قوة معينة . أما الآن فتظهر في عيونها نظرة بلهاء ، بحيث تركزت نظرتها بعيداً هناك في واحدة من البقع الزرقاء . ولم تكن تلك النظرة نظرة ردة فعل ولكنها كانت تشير إلى توقف التفكير الذكي .
       كان هناك شيء قادم إليها وكانت تنتظره بخوف . ما هو ؟  لم تعرف . كان شديد الغموض و محيراً ولا يمكن إطلاق اسم عليه . لكنها شعرت به يزحف من السماء تجاهها عن طريق الأصوات و الروائح العابقة التي ملأت الجو . ارتفع صدرها وهبط بشكل مضطرب . وبدأت تدرك أن هذا الشيء يقترب منها ليستحوذ عليها ، وكانت تكافح لترده بقوة إرادتها التي كانت ضعيفة مثل يديها البيضاوين الضعيفتين . وعندما تركت نفسها بعض الشيء هربت كلمة هامسة من بين شفتيها المفتوحتين قليلاً ، ثم كررتها مراراً بصوتها المنخفض "حرة ، حرة ، حرة " والنظرة المحدقة في الفراغ و نظرة الرعب اللتان تلتا ذلك غادرتا عيونها.وبقيت عيونها متحفزة ومشرقة . وخفقت نبضاتها بسرعة ، ودفء الدم المتدفق أراح كل جزءٍ في جسمها . ولم تتوقف لتسأل إذا ما كان هنالك فرح وحشي قد استحوذ عليها . وكان هناك فهمٌ واضح و مدرك مكَّنها من صرف تلك الفكرة على أنها تافهة . وعرفت أنها سوف تنوح مرة أخرى عندما ترى الأيدي الحانية الرقيقة يلفها الموت ؛ وذلك الوجه ، الذي لم يظهر لها سوى الحب ، عندما يظهر جامداً و رمادياً و ميتاً .
       لكنها رأت وراء تلك اللحظة المريرة سنوات طويلة متعاقبة ستكون لها بالمطلق . وفتحت ذراعيها لاستقبالها . لن يكون هناك أحد تعيش من أجله في السنين القادمة ؛ ستعيش لنفسها . ولن تكون هناك أي قوة توجهها نحو ذلك الوجود الأعمى والذي بسببه يعتقد رجال ونساء أن لهم الحق بفرض إرادتهم على الكائنات الصديقة لهم . والنية العفوية أو القاسية جعلت ذلك الفعل يبدو كأنه لا يقل عن جريمة عندما نظرت إليه في تلك اللحظة الوجيزة من الوضوح . و مع ذلك فقد كانت تحبه أحياناً . و غالباً لم تكن تحبه . كيف يمكن النظر إلى الحب ، ذلك اللغز المحير ، في وجه امتلاك تأكيد الذات و الذي أدركت بشكل مفاجئ أنه التحول الأقوى في وجودها . "حرة ! روحاً و جسداً حرة " تابعت هامسة .
       و كانت جوزيفين تنحني أمام الباب المغلق و شفتاها على ثقب المفتاح ترجو أن يسمح لها بالدخول " افتحي الباب يا لويز ، أرجوكِ افتحي الباب _ سوف تقودي نفسك للمرض . ماذا تفعلين يا لويز ؟ افتحي الباب لأجل الرب " .
      " اذهبي بعيداً . لن أُمرض نفسي " .
      لا . كانت تتشرب إكسير الحياة من خلال تلك النافذة المفتوحة . لقد كانت بهجتها تتراكض على غير هدى في تلك الأيام القادمة .
      أيام الربيع و الصيف و كل أنواع الأيام ستكون لها . و تنفست صلاة سريعة من أجل طول العمر . فبالأمس فقط فكرت بشكل مخيف أن الحياة قد تكون طويلة .
     وقفت منتصبةً وفتحت الباب تحت إلحاح شقيقتها . كان هناك انتصار محموم في عينيها ، وحملت نفسها بشكل غبي مثل إلهة النصر . أمسكت بخصر شقيقتها و هبطتا الدرج سوياً . وكان ريتشارد واقفاً بانتظارهما في الأسفل .
     في تلك اللحظة كان أحدهم يفتح الباب بمفتاح المزلاج . لقد كان برنتلي مالارد هو من دخل ، شاحباً قليلاً من أثر السفر ، و يحمل بشكل هادئ حقيبة السفر و المظلة . لقد كان بعيداً عن مسرح الحادث ، و حتى أنه لم يكن يعرف بوجود حادث أصلاً . وقف مذهولاً من صرخة جوزيفين الحادة ؛ وحركة ريتشارد السريعة لإبعاده عن مرمى نظر زوجته . ولكن ريتشارد تأخر كثيراً .
     و عندما حضر الأطباء قالوا أنها ماتت نتيجة مرض قلبي ، من الفرحة القاتلة .
             

No comments:

Post a Comment