Friday, April 27, 2012

العاصفة



بقلم : كيت تشوبن
ترجمة: فتح كساب

كانت أوراق الشجر ساكنة جدا حتى إنها جعلت "بيبي يعتقد أنها كانت ستمطر. ولَفَت "بوبينوت"- الذي كان معتادا على التحدث مع ابنه الصغير بمنتهى المساواة - انتباه الطفل إلى غيوم داكنة كانت تتحرك يسارا من جهة الغرب ، مصحوبةً بهدير ، غاضب مُهدِّد. كانا في متجر "فريدهايمر" وقررا البقاء هناك حتى تمر العاصفة. جلسا قرب الباب على برميلين فارغين. كان "بيبي"  يبلغ من العمر أربعا وأوحى مظهره بالحكمة.
" ستكون أمي خائفة" قال "بيبي" وهو يطرف بعينيه.
       رد "بوبينوت" مؤكداً " ستغلق المنزل. وقد تأتي "سيلفي" لمساعدتها هذا المساء".
       قال "بيبي" هامساً " لا لن تأتي "سيلفي". جاءت "سيلفي" لمساعدتها بالأمس".
      انتصب "بوبينوت" متجها نحو حاجز المتجر واشترى علبة من الجمبري ، والذي كانت " كاليكستا" مولعةً به. ثم عاد إلى مقعده على البرميل وجلس متبلد الأحاسيس حاملا علبة الجمبري لحظة انفجار العاصفة التي هزت المتجر الخشبي وبدت كأنها تشق أخاديد في الحقول البعيدة. ألقى "بيبي" بيده الصغيرة على ركبة أبيه ولم يكن خائفاً. 
         لم تشعر "كاليكستا"، التي كانت في المنزل ، بأي قلق حول سلامتهم. جلست إلى نافذة جانبية تخيط باهتياج على آلة الخياطة. كانت شديدة الانشغال لدرجة أنها لم تلاحظ اقترابَ العاصفة. لكنها شعرت بدفء شديد، وكثيرا ما توقفت لتمسح عن وجهها حبات العرق المتجمعة عليه. أرخت زرَ سترتها عند العنق. بدأ الظلام يخيم، وفجأة انتبهت فنهضت مسرعة في أنحاء البيت مُغلِقةً النوافذ والأبواب.
كانت قد علقت ملابس "الأحد" الخاصة ب "بوبينوت "في الخارج على الشرفة الصغيرة الأمامية لتجف وأسرعت لتجمعها قبل سقوط المطر. وفي لحظة خروجها، وصل "آلسي لابالييه" إلى البوابة على حصانه. لم تره كثيرا منذ زواجها، ولم يجتمعا وحيدين أبدا. وقفت هناك ومعطف "بوبينوت" في يديها، وبدأت حبات المطر الكبيرة بالتساقط. أدخل "آلسي" حصانه تحت مظلة خم جانبي تكدست فيه الدجاجات على عجلٍ وكان هناك محاريث ومسحاة مكومة في الزاوية.
" أتسمحين لي بالدخول والانتظار تحت شرفتكِ يا "كاليكستا"؟ تساءل مستأذنا.
"تفضل يا سيد "آلسي".
اضطرب صوتاهما كالاضطراب عند الرعشة، وأمسكت بصدرة "بوبينوت" بقوة. وأمسك "آلسي"، الذي كان ممتطيا حصانه نحو الشرفة، أمسك السروال والتقط سترة "بيبي" الموشحة بالأشرطة والتي كانت على وشك الطيران مع هَبة ريحٍ مفاجِئة. عبَّر عن رغبته في البقاء خارجاً، ولكن كان من الواضح أنه سيكون في العراء: كان الماء يضرب على الألواح بشدة، ودخل مُغلِقا الباب خلفه. وكان من الضروري وضع شيء تحت الباب لمنع دخول الماء.
"آه! يا له من مطر! لم تمطر هكذا منذ عامين" قالت "كاليكستا" متعجبةً وهي تلُف قطعة الخيش و"آلسي" يساعد في إدخالها تحت الشق.
كان قوامها أكثر امتلاءً بقليل من خمسة أعوام خلت حين تزوجت؛ لكنها لم تفقد شيئاً من توقدها. عيناها الزرقاوان لا تزالان تحتفظان بسحرهما؛ وشعرها الأصفر المُبَعثر بفعل الريح والمطر يتلوى بعناد أكبر حول أذنيها ومنبت نهديها.
 ضرب المطر على السقف الخشبي المنخفض بقوة وقعقعة عظيمتين هددتا بكسر السقف وإغراق من تحته. كانا في غرفة الطعام -غرفة الجلوس - غرفة المرافق العامة. وكانت غرفة نومها ملاصقة لها، وإلى جانبها أريكة "بيبي". انتصب الباب مفتوحا، وبدت الغرفة، بسريرها الأبيض الضخم ومصارعها المغلقة، مظلمة غامضة.
ألقى "آلسي" نفسه في المقعد الهزاز وبدأت "كاليكسا" تجمع بعصبية خيوط ملاءة كانت تخيطها عن الأرض.
وتساءلت " إذا استمر الوضع هكذا لا يعلم إلا الرب إن كانت السدود ستحتمل!
وقال "مالك و للسدود؟" 
"
لي ما يكفي! هناك "بوبينوت" وبرفقته "بيبي" في الخارج في تلك العاصفة – إذا لم يغادرا متجر "فريدهايمر".
" لنأمل يا "كالكستا" أن لدى "بوبينوت" ما يكفي من الإدراك حتى لا يخرج في هذا الإعصار".
ذهبت ووقفت عند النافذة و نظرة انزعاج شديدة على وجهها. مسحت الإطار الغائم  بفعل الرطوبة. كانت الحرارة خانقة. نهض "آلسي" وانضم إليها عند النافذة ، ناظرا من فوق كتفها. كان المطر يهطل حاجبا الرؤية عن الأكواخ البعيدة ومُغلفا الغابة البعيدة بسديمٍ رمادي. كان وميض البرق متواصلا. ضربت صاعقة شجرة عالية عند حافة الحقل. ملأت المدى المرئي بوهج يُعمي وبدا صوت التحطم كأنه يضرب الألواح التي وقفا عليها.
غطت "كاليكستا" عينيها بيديها، ومع صراخها، مالت إلى الوراء. طوقتها ذراع "آلسي" ، وللحظة جذبها إليه بشيء من الهياج.
"كن صالحاً" صرخت وهي تبعد ذراعه التي تطوقها متراجعة عن النافذة، " سيكون البيت هو التالي! لو أعرف أين "بيبي". لم تستطع استجماع نفسها؛ ولن تستطع الجلوس. أمسك "آلسي" بكتفيها ونظر إلى وجهها.
هيَّجت ملامسة جسدها الدافئ المرتعش- عندما جذبها إلي ذراعيه بلا وعي- كُلَّ متع ورغبات الأيام الخوالي في لحمها. وقال:
"لا تخافي يا "كاليكستا" لن يحدث شيء. إن البيت أخفض من أن يُصعق بوجود كل تلك الأشجار العالية حوله.والآن ألن تهدئي؟ قولي ألن تهدئي؟"
 رد "آلسي" شَعرَها الدافئ والذي يتصاعد منه البخار، عن وجهها إلى الخلف. كانت شفتاها بحمرة ورطوبة بذرة الرمان. أما بياض رقبتها وملمح صدرها الصلب فقد أربكه كثيرا. وحالما نظرت إليه أفسح الخوفُ في عينيها الزرقاوين مكانا لومضة ناعسة فضحت رغبتها الجسدية. نظر إلى عينيها ولم يكن هناك من شيء يفعله سوى ضم شفتيها في قُبلة. ذكرته بقداس صعود العذراء بعد قيامتها.
"هل تذكرين- في قُدّاس الصعود يا "كاليكستا"؟
 سألها بصوت منخفض أوهنته الرغبة. آه! لقد تَذَكَّرَتْ؛ لأنه في ذلك القُداس قبَّلها وقبَّلها وقبَّلها؛ حتى ذابت أحاسيسه بالكامل ، ولينقذها فقد لجأ إلى رحلة يائسة. لو لم تكن حمامة طاهرة في تلك الأيام، لكانت صعبة الانتهاك؛ مخلوقة شهوانية تركزت قوتها في شدة ضعفها، ما منع شرفه من الانتصار عليها. الآن، بدت شفتاها حرّة للتذوق، كما هو حال عنقها الأبيض المستدير وصدرها الأكثر بياضاً.
لم يباليا بالسيول الجارفة ، وجعلها الهدير تضحك لحظة سقوطها في ذراعيه. كانت انبعاثا في تلك الحجرة الخافتة الغامضة، ناصعة البياض  كالأريكة التي اضطجعت عليها. ولأول مرة عرف لحمها المتماسك المرن حق بكوريته ، مثل زنبقة بيضاء تدعوها الشمس لمشاركة الحياة النابضة أنفاسها وعطرها.
وفرة الشغف الكريمة، الخالية من الرياء والتحايل، كانت مثل شعلة بيضاء توغلت ووجدت استجابة في أعماق طبيعته الجسدية الخاصة التي لم يتم سبرها من قبل. 
عندما لمس ثدييها استسلما لنشوة راعشة، تستصرخ شفتيه. كان فمها نافورة من البهجة. وعندما استحوذ عليها، بدا أنهما أُغشي  عليهما عند تخوم غموض الحياة. 
بقي متكئا عليها، لاهثاً، واهنا متقطع الأنفاس، و قلبه يضرب عليها مثل مطرقة.وكانت إحدى يديها تمسك برأسه، وشفتاها تلامس جبهته برفق. ويدها الأخرى تضرب بإيقاع لطيف كتفيه القويين.
كان هدير الرعد بعيدا ويتلاشى. والمطر يضرب بهدوء على الألواح ، داعيا إياهما إلى النعاس والنوم. لكنهما لم يجرؤا على تلبية الدعوة.
توقف المطر؛ وكانت الشمس تُحوِّلُ العالم الأخضر إلى قصر من الجواهر اللامعة. راقبت "كاليكستا" من شُرفتها "آلسي" ممتطيا حصانه ومبتعدا. التفت إليها متبسما والبهجة بادية على وجهه؛ رفعت ذقنها الجميلة في الهواء، وضحكت بصوت عال. 
وبعد طول سير وإجهاد، توقف "بوبينوت وبيبي" في الخارج عند الحوض ليُعلنا عن وصولهما.
"يا إلهي! ماذا ستقول أمك! يجب أن تخجل من نفسك. لم يكن يجدر بك ارتداء هذا السروال الجيد. أنظر إليه! وذاك الطين على ياقتك! كيف وصل ذلك الطين إلى ياقتك يا بيبي؟ لم أرَ في حياتي صبياً مثلك"!
كان بيبي مثالا على الإذعان المثير للشفقة. وكان بوبينوت تجسيدا للجدية المُفرِطة بكفاحه للتخلص من آثار السير المضني على الطرقات الوعرة والحقول الرطبة البادية عليه وعلى ابنه. كشط الطين عن ساقي وقدمي بيبي العاريتين بعصاً، وبمنتهى الحذر أزال كل الآثار عن حذائه الثقيل. ثم ، استعدا لمواجهة الأسوأ – مجابهة ربة منزل مُفرِطة في التدقيق، دخلا بحذر شديد من الباب الخلفي. 
كانت كاليكستا تُحضِّر العشاء. أعدَّت الطاولة وكانت تضع القهوة على الموقد. انتصبت لحظة دخولهما.
"آه يا بوبينوت! لقد عُدت! يا إلهي! لقد كنت قَلِقة. أين كنت أثناء هطول المطر؟ وبيبي؟ ألم يبتل؟ ألم يتأذَ؟"
 عانقت بيبي وأفرطت في تقبيله. ماتت كل تبريرات واعتذارات بوبينوت التي كان يُعدها طوال الطريق على شفتيه عندما تحسسته كاليكستا لترى إن كان جافاً، وبدا أنه لن يُعبِّر عن شيء إلا الرضا بعودتهما سالِمَين.
"أحضرت لكِ جمبري يا كاليكستا" قال بوبينوت  وهو يُخرج العلبة من جيبه الجانبي الكبير ويضعها على الطاولة.
"جمبري"! آه يا بوبينوت! أنت عظيم لكل شيء" ثم قبَّلته قُبلة قوية تردد صداها على وجنته، "عظيم، سيكون لدينا وليمة هذه الليلة!"
بدأ بوبينوت وبيبي بالاسترخاء وتدليل نفسيهما، وعندما جلس ثلاثتهم إلى الطاولة ضحكوا كثيرا وعالياً لدرجة أن أي واحد قد يكون سمعهم من " لاباليرييه".
كتب آلسي لاباليرييه لزوجته، كلاريس، تلك الليلة. كانت رسالة مفعمة بالحب، مليئة بالتعاطف السخي. أخبَرَها ألا تتعجل بالعودة، لكن إذا أحبَّت هي والأطفالُ الإقامة في بلوكسي، فبإمكانهم البقاء لشهر. كان يتدبر أمره جيدا؛ ورغم اشتياقه لهم، إلا أنه كان مستعدا لتحمل الفراق فترة أطول – لإدراكه أن صحتهم وسرورهم هي من أوّلى الأمور بالاعتبار.
أمّا كلاريس، فقد غمرتها الفرحة عند استلام رسالة زوجها. كانت هي والأطفال بخير. كان محيطها متناغماً؛ فالعديد من أصدقائها ومعارفها يقطنون في منطقة الخليج. وبدا لها أن أول نَفَسٍ حر لها منذ زواجها يعيد الحرية البهيجة من أيام عزوبيتها. ورغم إخلاصها لزوجها إلا أن حميمية العلاقة الزوجية كانت أمراً ترغب في التخلص منه لفترة.
وهكذا انتهت العاصفة وكان الجميع سعداء. 


قصة ساعة




كيت تشوبن

 ترجمة :فتح كساب



       أخبرت السيدة مالارد بخبر وفاة زوجها بأقصى درجات الحذر والتحفظ ، لعلم من جاء بالخبر بأنها تعاني من اضطرابات قلبية .
        كانت أختها جوزيفين هي من أخبرها بالنبأ ، وبجمل متقطعة وبتلميحات مقنعة أظهرت بنصف إخفاء . وكان صديق زوجها – ريتشارد هناك أيضا إلى جانبها . حيث كان ريتشارد من أوائل المتواجدين في مكتب الصحيفة عندما وصل نبأ مأساة حادث القطار . وكان اسم برنتلي مالارد على رأس قائمة القتلى .
        لم يمكث إلا الوقت القليل للتأكد من الخبر بعد وصول برقية ثانية تؤكد المأساة ، واستعجل بحمل النبأ حتى لا يقوم أحد الأصدقاء بنقل الرسالة المحزنة بطريقة أقل حذرا منه .
        لم تسمع القصة كما تسمعها العديد من النساء وهن مشلولات و عاجزات عن تقبل وقع الخبر عليهن .
        بكت بسرعة وبشكل مفاجئ مستسلمة بين ذراعي شقيقتها . وعندما استهلكت عاصفة الحزن نفسها ، ذهبت إلى غرفتها وحدها ولم تسمح لأحد أن يتبعها .
        كان هناك ، في مواجهة النافذة المفتوحة ، كرسي واسع مريح بأذرع جانبية . غرقت فيه ، مستسلمة للإنهاك الجسدي الذي استحوذ على جسدها وبدا كأنه سيصل إلى روحها . وكانت ترى من المربع الواقع أمام بيتها قمم الأشجار متراقصة لحلول حياة جديدة مع قدوم الربيع ، وكانت رائحة المطر اللذيذة تملأ الجو حولها .
        وفي الشارع كان هناك بائع جوال يصرخ لبيع بضاعته . ووصلت إليها نغمات أغنية من بعيد وصوت شخص يغنيها ، وصلت إليها خافتة وأعداد لا تحصى من العصافير تزقزق في الشرفات .
        وكان يظهر من بين الغيوم المتكدسة التي تواجه النافذة بقع من اللون الأزرق هنا وهناك .
        وجلست في الكرسي -  بلا حراك – ورأسها ملقىً إلى الخلف على وسادة الكرسي ؛ ما عدا التنهيدات التي تخرج من حنجرتها وتهزها ، مثل طفل يبكي لينام و تخرج منه تنهيدة في أحلامه .
        كانت شابة ذات وجه جميل وهادئ ، وتقرأ من خطوطه اضطهادا وحتى قوة معينة . أما الآن فتظهر في عيونها نظرة بلهاء ، بحيث تركزت نظرتها بعيداً هناك في واحدة من البقع الزرقاء . ولم تكن تلك النظرة نظرة ردة فعل ولكنها كانت تشير إلى توقف التفكير الذكي .
       كان هناك شيء قادم إليها وكانت تنتظره بخوف . ما هو ؟  لم تعرف . كان شديد الغموض و محيراً ولا يمكن إطلاق اسم عليه . لكنها شعرت به يزحف من السماء تجاهها عن طريق الأصوات و الروائح العابقة التي ملأت الجو . ارتفع صدرها وهبط بشكل مضطرب . وبدأت تدرك أن هذا الشيء يقترب منها ليستحوذ عليها ، وكانت تكافح لترده بقوة إرادتها التي كانت ضعيفة مثل يديها البيضاوين الضعيفتين . وعندما تركت نفسها بعض الشيء هربت كلمة هامسة من بين شفتيها المفتوحتين قليلاً ، ثم كررتها مراراً بصوتها المنخفض "حرة ، حرة ، حرة " والنظرة المحدقة في الفراغ و نظرة الرعب اللتان تلتا ذلك غادرتا عيونها.وبقيت عيونها متحفزة ومشرقة . وخفقت نبضاتها بسرعة ، ودفء الدم المتدفق أراح كل جزءٍ في جسمها . ولم تتوقف لتسأل إذا ما كان هنالك فرح وحشي قد استحوذ عليها . وكان هناك فهمٌ واضح و مدرك مكَّنها من صرف تلك الفكرة على أنها تافهة . وعرفت أنها سوف تنوح مرة أخرى عندما ترى الأيدي الحانية الرقيقة يلفها الموت ؛ وذلك الوجه ، الذي لم يظهر لها سوى الحب ، عندما يظهر جامداً و رمادياً و ميتاً .
       لكنها رأت وراء تلك اللحظة المريرة سنوات طويلة متعاقبة ستكون لها بالمطلق . وفتحت ذراعيها لاستقبالها . لن يكون هناك أحد تعيش من أجله في السنين القادمة ؛ ستعيش لنفسها . ولن تكون هناك أي قوة توجهها نحو ذلك الوجود الأعمى والذي بسببه يعتقد رجال ونساء أن لهم الحق بفرض إرادتهم على الكائنات الصديقة لهم . والنية العفوية أو القاسية جعلت ذلك الفعل يبدو كأنه لا يقل عن جريمة عندما نظرت إليه في تلك اللحظة الوجيزة من الوضوح . و مع ذلك فقد كانت تحبه أحياناً . و غالباً لم تكن تحبه . كيف يمكن النظر إلى الحب ، ذلك اللغز المحير ، في وجه امتلاك تأكيد الذات و الذي أدركت بشكل مفاجئ أنه التحول الأقوى في وجودها . "حرة ! روحاً و جسداً حرة " تابعت هامسة .
       و كانت جوزيفين تنحني أمام الباب المغلق و شفتاها على ثقب المفتاح ترجو أن يسمح لها بالدخول " افتحي الباب يا لويز ، أرجوكِ افتحي الباب _ سوف تقودي نفسك للمرض . ماذا تفعلين يا لويز ؟ افتحي الباب لأجل الرب " .
      " اذهبي بعيداً . لن أُمرض نفسي " .
      لا . كانت تتشرب إكسير الحياة من خلال تلك النافذة المفتوحة . لقد كانت بهجتها تتراكض على غير هدى في تلك الأيام القادمة .
      أيام الربيع و الصيف و كل أنواع الأيام ستكون لها . و تنفست صلاة سريعة من أجل طول العمر . فبالأمس فقط فكرت بشكل مخيف أن الحياة قد تكون طويلة .
     وقفت منتصبةً وفتحت الباب تحت إلحاح شقيقتها . كان هناك انتصار محموم في عينيها ، وحملت نفسها بشكل غبي مثل إلهة النصر . أمسكت بخصر شقيقتها و هبطتا الدرج سوياً . وكان ريتشارد واقفاً بانتظارهما في الأسفل .
     في تلك اللحظة كان أحدهم يفتح الباب بمفتاح المزلاج . لقد كان برنتلي مالارد هو من دخل ، شاحباً قليلاً من أثر السفر ، و يحمل بشكل هادئ حقيبة السفر و المظلة . لقد كان بعيداً عن مسرح الحادث ، و حتى أنه لم يكن يعرف بوجود حادث أصلاً . وقف مذهولاً من صرخة جوزيفين الحادة ؛ وحركة ريتشارد السريعة لإبعاده عن مرمى نظر زوجته . ولكن ريتشارد تأخر كثيراً .
     و عندما حضر الأطباء قالوا أنها ماتت نتيجة مرض قلبي ، من الفرحة القاتلة .
             

Thursday, April 26, 2012

اوباما و إسرائيل وفلسطين





ناعوم تشومسكي

chomsky.info ، 24 يناير 2009
ترجمة : فتح كساب


يُعرف عن باراك اوباما أنه شخص حاد الذكاء ، وباحث قانوني ، ودقيق في اختيار كلماته. وهو يستحق أن يؤخذ على محمل الجد - في ما يقول ، وما يُغِفل على حد سواء. ويكتسب أول بيان جوهري له حول الشؤون الخارجية في 22 كانون الثاني في مبنى وزارة الخارجية أهمية خاصة عند تقديمه جورج ميتشل ليكون مبعوثه الخاص للسلام في الشرق الأوسط. 
ويُفترض في ميتشل أن يُركز اهتمامه على المشكلة بين إسرائيل وفلسطين ، في أعقاب الغزو الأمريكي الإسرائيلي الأخير لغزة. و خلال الاعتداء الوحشي بقي أوباما صامتا باستثناء عدد قليل من الملاحظات المُبتذلة ، حيث قال : ليس هناك سوى رئيس واحد(أثناء الفترة الانتقالية) – لكن هذه الحقيقة لم تُسكِته في العديد من المسائل الأخرى. إلا أن تكرار العبارة التالية في حملته "إذا كانت الصواريخ تسقط حيث تنام ابنتيّ ، فإني سأبذل كل ما في وسعي لوقفها ", كانت تُشير إلى الأطفال الإسرائيليين ، وليس إلى المئات من الأطفال الفلسطينيين الذين يُذبحون بأسلحة الولايات المتحدة و الذين لا يستطيع الكلام عنهم ، لأنه لم يكن هناك سوى رئيس واحد. 
ومع ذلك ففي 22 كانون الثاني 2009، كان الرئيس الواحد هو باراك أوباما ، وكان بمقدوره التحدث بحرية حول هذه الأمور ولكنه تَجَنب الهجوم على قطاع غزة ، والذي وكان أوقِف قبل حفل التنصيب. 
أكد أوباما في حديثه التزامه بالتوصل إلى تسوية سلمية. تاركا كل ما يحيط بها غامضاً باستثناء أمر واحد محدد هو "مبادرة السلام العربية" حيث قال أوباما "، أنها تتضمن عناصر بناءة يمكن أن تساعد في دفع هذه الجهود. الآن هو الوقت المناسب للدول العربية للعمل بما أعلنت في المبادرة لدعم الفلسطينيين في ظل حكومة الرئيس عباس ورئيس الوزراء فياض ، واتخاذ خطوات نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل ، والوقوف في وجه التطرف الذي يهددنا جميعا ". 
لا يُشوه أوباما اقتراح الجامعة العربية مباشرة ، ولكن المُخاتلة المُصاغة بعناية تصبح تنويراً. 
تدعو مبادرة السلام المُقَدمة من جامعة الدول العربية فعلا لتطبيع العلاقات مع إسرائيل — في سياق — أكرر ، في سياق التسوية القائمة على مبدأ دولتين في ظل الإجماع الدولي ، والذي منعته الولايات المتحدة وإسرائيل منذ أكثر من 30 عاما،ولا تزال تفعل. إن جوهر مبادرة الجامعة العربية ، التي يعرفها أوباما ومستشاريه لشؤون الشرق الأوسط جيدا ، هو دعوتها إلى تسوية سياسية سلمية ضمن هذه الشروط المعروفة جيداً والمُعترف بها على أنها الأساس الوحيد للتسوية السلمية التي يصرح اوباما أنه ملتزم بها. إن إغفال تلك الحقيقة الحاسمة لا يمكن أن يكون عفوياً ، ويشير بوضوح إلى أن أوباما لا يتوخى الخروج عن الرفض الأميركي. إن دعوته للدول العربية للعمل بموجب مبادرتهم بشكل طبيعي ، في حين أن الولايات المتحدة تتجاهل حتى المحتوى الرئيسي لتلك المبادرة ، الذي هو شرط مسبق للعمل بها ، يتجاوز السخرية. 
وتم الإدراك حالياً أن أهم ما يقوض التوصل إلى تسوية سلمية هي الأعمال اليومية المدعومة من الولايات المتحدة في الأراضي المحتلة ، وكلها تُعَد جرائم واضحة :من الاستيلاء على الأرض والموارد الثمينة وبناء ما أسماه رائد ومهندس الخطة ، آرييل شارون ، "بانتوستانات" الفلسطينيين – المقارنة هنا غير عادلة لأن البانتوستانات كانت أكثر قابلية للحياة والتطور بكثير مما تُرك من الفتات للفلسطينيين ضمن مفهوم شارون . ولكن الولايات المتحدة وإسرائيل لا تزالان تعارضان التوصل حتى إلى تسوية سياسية كلامية ، وكان آخرها في كانون الأول 2008 ، عندما (صوتت الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض جزر المحيط الهادئ) ضد قرار للأمم المتحدة لدعم "حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير "(مع 173 إلى 5 ضد، وكانت معارضة الولايات المتحدة وإسرائيل تحت سِتار المراوغة والذرائع). 
لم يقل أوباما كلمة واحدة عن الاستيطان وتطورات البنية التحتية في الضفة الغربية ، والإجراءات المعقدة للسيطرة على الوجود الفلسطيني ، والتي تهدف إلى تقويض آفاق تسوية سلمية قائمة على مبدأ الدولتين. إن التزامه الصمت هو دحض مقيت لفنونه الخطابية عند الحديث حول كيفية "الالتزام بالسعي المتواصل والنشط للوصول إلى دولتين تعيشان جنبا إلى جنب في أمن وسلام." 
كما لَفَّ الصمت مسألة استخدام إسرائيل للأسلحة الأمريكية في قطاع غزة ،الأمر الذي يشكل انتهاكا للقانونين الأميركي والدولي. وبالتأكيد فإن قيام واشنطن بإرسال شحنات جديدة من الأسلحة لإسرائيل في ذروة الهجوم الإسرائيلي الأميركي ، لم يكن خافياً على مستشاري أوباما لشؤون الشرق الأوسط. 
ومع ذلك فقد كان أوباما حازماً,في وجوب توفق عمليات تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة. وصادقَ على اتفاق كوندوليزا رايس ووزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني حول إلزامية إغلاق الحدود بين مصر وقطاع غزة , وهي ممارسة للغطرسة الامبريالية ، كما رصدتها صحيفة فاينانشال تايمز : "عندما وقفت المسؤولتان في واشنطن لتهنئة بعضهما البعض ، يبدو أنهما كانتا غافلتين عن حقيقة أنهما تتوصلان إلى صفقة غير قانونية تخص حدود بلدٍ أخرى ,مصر في هذه الحالة. وفي اليوم التالي ، وصف مسؤول مصري المذكرة بأنها `خيالية". وتم تجاهل اعتراضات مصر. 
بالعودة إلى إشارة اوباما إلى اقتراح الجامعة العربية "البنّاء" ، كما نصت العبارات , يصر أوباما على حصر تقديم الدعم للحزب الذي خَسِرَ في انتخابات كانون الثاني 2006 (حركة فتح) ، الانتخابات الحرة الوحيدة في العالم العربي ، والتي كان رد فعل الولايات المتحدة وإسرائيل عليها ، على الفور وعلناّ ، معاقبة الفلسطينيين بشدة على معارضتهم لإرادة الأسياد. وثمة أمر فني بسيط هو أن عباس انتهت مدة رئاسته في 9 كانون الثاني الماضي ، وأنه تم تعيين فياض دون إقرار من المجلس التشريعي الفلسطيني (كثير من أعضائه خُطِفوا وتم حبسهم في السجون الإسرائيلية). وتصف صحيفة هاآرتس فياض بأنه "طائر غريب في السياسة الفلسطينية. فهو من جهة ، السياسي الفلسطيني الأكثر احتراما عند إسرائيل والغرب. ولكن ، من ناحية أخرى ، ليس لديه أي شرعية انتخابية على الإطلاق في غزة أو الضفة الغربية ". ويشير التقرير أيضا إلى "علاقة فياض الوثيقة مع المؤسسة الإسرائيلية ،" وخصوصاً صداقته مع مستشار شارون, المتطرف دوف ويغلاس. ورغم افتقاره إلى الدعم الشعبي ، ومناقضته للقاعدة السياسية المعمول بها في الولايات المتحدة, إلا أنه يُعتَبر شخصاً كفؤ ونزيه. 
إلا أن إصرار أوباما على التعامل مع عباس وفياض فقط يتفق مع ازدراء الغرب للديمقراطية ما لم يكن تحت السيطرة. 
قدَّم أوباما الأسباب المعتادة لتجاهل الحكومة المنتخبة بقيادة حماس. "لكي تكون طرفا حقيقيا في السلام" أعلن أوباما أن "اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة) قد أوضحت أن على حماس أن تلبي شروط واضحة : الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود ؛ ونبذ العنف والالتزام باتفاقات السلام المبرمة ". وغير المُعلن ، كالعادة ، هو أن الولايات المتحدة وإسرائيل ترفض بشدة هذه الشروط الثلاثة. ففي ظل الغياب الدولي ، فإنهما تُعيقان التسوية القائمة على مبدأ الدولتين, ومن ضمنها دولة فلسطينية ، وهما بالطبع لا تنبذان العنف ، وترفضان اقتراح الرباعية الرئيسي وهو "خريطة الطريق". قبلت إسرائيل بخريطة الطريق شكلياً ، ولكن مع أربعة عشر تحفظاً كفيلة بتقويض مضمونها (والتحفظات مدعومة ضمنيا من جانب الولايات المتحدة). ويعود الفضل الكبير لجيمي كارتر فيما يخص فلسطين من حيث وضع هذه الحقائق في بؤرة الاهتمام العام للمرة الأولى والوحيدة -السلام لا الفصل العنصري. 
ويُستَنتج من ذلك ، بالمنطق البسيط ، أنه لا الولايات المتحدة ولا إسرائيل "طرف حقيقي في السلام." ولكن لا يمكن ذلك. وهذا لا ينسجم حتى مع اللغة الإنكليزية. 
ولعله من غير المُنصف انتقاد أوباما في ضوء ممارساته المثيرة للسخرية ، لأنها قريبة من الفهم العالمي , بعكس مساهمته الجديدة المتمثلة في تجريد مبادرة الجامعة العربية الدقيق من محتواها الأساسي .
كما أن المرجعيات المعيارية المُستَخدمة لوصف حماس بأنها منظمة إرهابية ، تسعى لتدمير إسرائيل (أو ربما كل اليهود) قريبة من المرجعيات العالمية أيضا. أما الحقائق المزعجة مثل أن الولايات المتحدة وإسرائيل لا تسعى فقط لتدمير أي دولة فلسطينية قابلة للحياة ، ولكن تقوم أيضا بتنفيذ هذه السياسات بانتظام فكانت محذوفة مما يتم إعلانه. و على العكس من ذلك فإن حماس دعت: علنا ، مرارا وتكرارا ، وبشكل صريح إلى تسوية قائمة على مبدأ الدولتين في ظل التوافق الدولي. 
بدأ أوباما تصريحاته بالقول : "دعوني أكون واضحا : أمريكا ملتزمة بأمن إسرائيل.. و سندعم دائما حق إسرائيل المشروع في الدفاع عن نفسها ضد التهديدات الحقيقية". 
لم يكن هناك شيئا عن حق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم ضد التهديدات المتطرفة والمتزايدة ، مثل تلك التي تحدث يوميا ، وبدعم من الولايات المتحدة في الأراضي المحتلة. ولكن هذا هو المعيار. 
والعادي كذلك هو إعلان المبدأ القائل بأن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها. هذا صحيح ، ولكن لا معنى له :لأن للجميع نفس الحق. لكنه في هذا السياق عذر أقبح من ذنب : فهو خداع أكثر إثارةً للسُخرية. 
المسألة ليست ما إذا كان من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها ، شأنها في ذلك شأن الجميع ، ولكن ما إذا كان لها الحق في القيام بذلك عن طريق القوة. لا أحد ، بمن فيهم أوباما ، يعتقد أن الدول تتمتع بالحق المطلق للدفاع عن نفسها بالقوة : يجب أولا إثبات أنه لا توجد بدائل سِلميِّة يمكن اللجوء إليها. في هذه الحالة ، هناك بالتأكيد بدائل. 
سيكون البديل المحدود بالنسبة لإسرائيل هو الانصياع لوقف إطلاق النار ، على سبيل المثال . وقف إطلاق النار الذي اقترحه الزعيم السياسي لحماس خالد مشعل قبل أن تشن إسرائيل هجومها بأيام قليلة في 27 كانون الأول. ودعا مشعل لتمديد اتفاق عام 2005.وينص هذا الاتفاق على وضع حد للعنف وفتح الحدود الدائم مع إسرائيل ، وضمانات إسرائيلية لحرية انتقال السلع والأشخاص بين شطري فلسطين المحتلة ، الضفة الغربية وقطاع غزة. رُفِض هذا الاتفاق من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل بعد شهور قليلة ، بعد أن تبين أن الانتخابات الحرة التي جرت في كانون الثاني 2006 قد ذهبت إلى"الطريق الخاطئة". وهناك الكثير من القضايا وثيقة الصلة. 
أما البديل الأوسع والأكثر أهمية للولايات المتحدة وإسرائيل فهو التخلي عن نزعة الرفض المُتَطرفة ، والانضمام إلى بقية العالم,بما فيها الدول العربية وحماس , في دعم التسوية القائمة على الدولتين, المبنية على توافق الآراء على الصعيد الدولي. وتجدر الإشارة إلى أنه في السنوات الثلاثين الماضية كان هناك انحراف واحد عن منظومة الرفض الأمريكي الإسرائيلي: وهي المفاوضات في طابا في كانون الثاني 2001 ، والتي كانت تبدو وشيكة التوصل إلى حل سلمي قبل أن تقوم إسرائيل بإلغائها. إذن ، لن يكون غريبا أن ينضم أوباما إلى العالم ، وحتى ضمن إطار سياسة الولايات المتحدة ، إذا كانت مهتماً في القيام بذلك. 
وباختصار ، فإن تكرار أوباما القوي لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ممارسة أخرى للخداع المثير للسخرية , على الرغم من أنه لا بد من التسليم ، أن هذا أمر لا يتفرد به أوباما ، ولكنه يكاد يكون عالميا. 
إن الخداع في هذه الحالة بشكل خاص يبدو صاعقاً لأنه كان عند تعيين ميتشل مبعوثه الخاص. وكان إنجاز ميتشل الرئيسي هو دوره البارز في التسوية السلمية في ايرلندا الشمالية. والتي دعت إلى وضع حد لإرهاب الجيش الجمهوري الايرلندي والعنف البريطاني. وهو اعتراف ضمني أنه في حين أن لبريطانيا الحق في الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب ، فإنها لا تملك هذا الحق في القيام بذلك بالقوة ، لأنه كان هناك بديل سلمي : الاعتراف بالمظالم المشروعة للطائفة الكاثوليكية الأيرلندية التي كانت تُغذي جذور الإرهاب للجيش الجمهوري الايرلندي . وعندما تَبنَّت بريطانيا المسار العقلاني، انتهى الإرهاب. إن مضامين مَهَمة ميتشيل بالنسبة لإسرائيل وفلسطين هي من الوضوح الذي لا يلزمه بيان. والقفز عنها ،هو مؤشر يدعو للصدمة ،و يدل على التزام إدارة أوباما بالموقف التقليدي الأمريكي الرافض والمُعارض للسلام ، إلا إذا كان تِبعاً لشروطها المتطرفة. 
كما امتدح أوباما الأردن "لدوره البنَّاء في تدريب قوات الأمن الفلسطينية وتعزيز علاقاته مع إسرائيل" –الأمر الذي يتناقض بشكل صادم مع الرفض الأمريكي -الإسرائيلي للتعامل مع الحكومة الفلسطينية المنتخبة ، في حين تقوم بمعاقبة الفلسطينيين بوحشية على انتخاب تلك الحكومة بناءً على ذرائع لا تصمد للحظة عند التدقيق فيها. صحيح أن الأردن انضمت إلى الولايات المتحدة في تسليح وتدريب قوات الأمن الفلسطينية ، حتى يتسنى لهم أن يقمعوا بعنف أي مظهر من مظاهر الدعم للبؤساء من ضحايا الهجوم الأمريكي الإسرائيلي على غزة ، وكذلك اعتقال أنصار حماس وصحافي بارز هو خالد عمايرة ، في حين أن تنظيم تظاهراتهم الخاصة(بالسلطة الفلسطينية) دعماً لعباس وفتح ، كان معظم المشاركين فيها "من والموظفين المدنيين وتلاميذ المدارس الذين تَمَّ توجيههم من السلطة الفلسطينية لحضور الاجتماعات الحاشدة" ، وفقا لصحيفة جيروزالم بوست. لدينا نوع من الديمقراطية. 
وصرّح أوباما تصريحاً جوهرياً آخر : "كجزء من وقف دائم لإطلاق النار ، ينبغي للمعابر الحدودية في غزة أن تكون مفتوحة للسماح بتدفق المساعدات والتجارة ، مع وجود نظام ملائم للرصد " . وبالطبع فإنه لم يُشِر إلى أن الولايات المتحدة و إسرائيل قد رفضتا بشدة نفس الاتفاق بعد انتخابات كانون الثاني 2006 ، وأن إسرائيل لم تتقيد مُطلقاً بأي اتفاقات لاحقة مماثلة على الحدود. 
كما لا يُلحَظ أي رد فعل على إعلان إسرائيل أنها ترفض اتفاق وقف إطلاق النار ، وذلك لأن احتمالات أن يكون "دائماً" غير مُبشِّرَة. كما أُعلِن على الفور في الصحف أن" الوزير في الحكومة الإسرائيلية بنيامين بن اليعازر ، الذي يشارك في المداولات الأمنية, صرَّح لإذاعة الجيش الإسرائيلي يوم الخميس أن إسرائيل لن تفتح المعابر الحدودية مع قطاع غزة ، دون اتفاق لإطلاق سراح (جلعاد شاليط)" (أسوشيتيد برس ، 22 كانون الثاني) ؛… وقال مسؤول أن الحكومة ستُبقي معابر غزة مغلقة لأنها تخطط لاستخدام هذه المسألة للمساومة على إطلاق سراح جلعاد شاليط, الجندي الإسرائيلي الأسير لدى الحركة الإسلامية منذ عام 2006 (فاينانشيال تايمز / 23 كانون ثاني) ؛ "وفي وقت سابق هذا الأسبوع قالت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني إن التقدم في عملية إطلاق سراح العريف شاليط سيكون شرطا لفتح المعابر الحدودية التي كانت مغلقة منذ انتزاع حماس السيطرة على قطاع غزة من السلطة الفلسطينية القائمة في الضفة الغربية في عام 2007 "(كريستيان ساينس مونيتور ، 23 كانون ثاني)" وقال مسؤول إسرائيلي : سيكون هناك شروط صارمة لأي رفع للحصار ، وهي مُرتَبطة بإطلاق سراح جلعاد شاليط "( فاينانشيال تايمز ، في 23 كانون الثاني). من بين العديد من القضايا فإن أسر شاليط هي القضية الأبرز في الغرب ، وهذا مؤشرا آخر لتجريم حماس. وكيفما فكَّر فيها الإنسان ، فإنه لا خلاف على أن أسر جندي من الجيش المُهاجِم لا يُقارن من الناحية الجُرمية مع اختطاف المدنيين ، وهو بالضبط ما فعلته القوات الإسرائيلية قبل يوم من أسر شاليط, من غزو لمدينة غزة واختطاف أخوين ثم اقتيادهما عبر الحدود ليُزج بهما في مُجمعات السجون الإسرائيلية. وخلافا لحالة شاليط فإنه لم يتم الحديث عن تلك الجريمة وذهبت طي النسيان ، بالمقارنة مع ممارسة إسرائيل المنتظمة لعقود من خطف المدنيين في لبنان وفي أعالي البحار وإرسالهم إلى السجون الإسرائيلية ، وإبقائهم رهائن في كثير من الأحيان لعدة سنوات. لكن أسر شاليط يُعرقل وقف إطلاق النار. 
استمرت وزارة خارجية أوباما بالحديث عن الشرق الأوسط مع "تدهور الوضع في أفغانستان وباكستان التي هي الجبهة المركزية في صراعنا ضد الإرهاب والتطرف." وبعد بضع ساعات ، هاجمت الطائرات الأمريكية قرية نائية في أفغانستان بهدف قتل احد قادة طالبان. "، ورغم ذلك ، فقد أخبر كبار السن في القرية مسؤولاً في المقاطعة بأنه لم يكن هناك أي من أفراد حركة طالبان في المنطقة ، والتي وصفها بأنها قرية يسكنها الرعاة. وكان من بين القتلى الاثنين وعشرين نساء وأطفال ، حسبما صرّح به حميد الدين عبدالرحمن ، رئيس لجنة المجلس المحلي "(لوس انجليس تايمز ، 24 كانون ثاني). 
و في أول رسالة إلى أوباما بعد أن تم انتخابه في شهر تشرين ثاني وجَّه الرئيس الأفغاني قرضاي نداء لوضع حد لقصف المدنيين الأفغان. وكرر أقواله قبل ساعات قليلة تنصيب أوباما. واعتُبِر أن هذا الأمر على نفس الدرجة من الأهمية لدعوة قرضاي لوضع جدول زمني لانسحاب الأمريكية والقوات الأجنبية الأخرى. وحسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز فإن الدول الغنية والقوية عليها "مسؤوليات". من بينها ، "توفير الأمن" في جنوب أفغانستان حيث " ينمو العصيان ويحمل بذور ديمومته بفعل عوامل داخلية". وكلها أمور مألوفة. راجع صحيفة برافدا في أعدادها الصادرة في الثمانينات من القرن الماضي على سبيل المثال.

Tuesday, April 24, 2012

حمار الوحش الحكواتي



سبنسر هولست

ترجمة: فتح كساب

كان يا ما كان قط سيامي يدّعي أنه أسد ويتحدث لغة الحُمِر الوحشية بطريقة غير لائقة. تلك اللغة التي يصهل بها نوع من الخيل المخططة في إفريقيا.

وإليك هذا المشهد: يمشي في الغابة حمار وحشي بريء. يقترب من اتجاه آخر قط صغير. يلتقيان.

يبادر القط قائلا بلغة حمار وحش طليقة "مرحبا، إنه يوم جميل بكل تأكيد، أليس كذلك؟ فالشمس مُشرقة والطيور تُغني، أليس العالم جميلا لنعيش فيه هذا اليوم؟

يُصدمُ الحمار الوحشي عند سماع القط السيامي يتحدث مثل حمار وحشي، مما يجعله مناسبا للربط. يُسرع القط الصغير بربطه وقتله، ويجرُّ أفضل أجزاء الجثة إلى عرينه. قام القط بهذا العمل بنجاح لعدة أشهر مُتغذيا اللحم على الطري كل ليلة. وصنع من أفضل أجزاء الجلد ربطات عنق وأحزمة مثل ثياب أمراء القطط السيامية القدماء.

بدأ القط يتبجح أمام أصدقائه بالقول أنه أسد والدليل على ذلك أنه يصيد الحُمُرَ الوحشية. أما أنوف الحمر الوحشية الحساسة فلم تَشتَم رائحة أسود في الجوار. لكن الوفيات المُفاجِئة بينها جعلها تتجنب المرور في المنطقة. ولأنها تؤمن بالخرافات فقد أجمعت على أن الغابة مسكونة بشبح أسد.

وفي أحد الأيام، وبينما كان الحمار الوحشي الحكواتي يتمشى قفزت إلى ذهنه حبكات لقصص ليُمتِع بها الحُمر الوحشية. وفجأة لمعت عيناه وقال: " وجدتها! سأحكي لهم قصة عن قط سيامي يتكلم لغتنا! يا لها من فكرة! ستجعلهم يضحكون.

في تلك اللحظة ظهر القط السيامي أمامه وقال " مرحبا إنه يوم جميل أليس كذلك؟

لم يُأخذ الحمار الوحشي بالمفاجأة لأنه كان يفكر بهذا الأمر عينه في تلك اللحظة، ولذا لم يكن من الممكن ربطه.

تفحَّص القطَ جيدا. لم يعرف السبب ولكن كان هناك شيء في نظرات القط لم يُعجبه فرفسه بحافره فقتله.

هذه وظيفة الحكواتي.

سبنسر هولست 1926-2001

 كاتب وحكواتي أمريكي. نشر العديد من المجموعات القصصية والكتب المترجمة. كان يشتهر بأسلوبه الأخاذ في حكاية القصص على المسرح وخاصة في مدينة نيويورك بلسان عذب ومقفّى. كما أقام العديد من المعارض للوحاته المرسومة بالألوان المائية. بعض هذه اللوحات كانت تجسيدا لقصص قصيرة كتبها وكان يُرفق الصرة بالنص