Sunday, April 22, 2012

قل نعم




قصة :  توبايس وولف

ترجمة   : فتح كساب

      كانا ينظفان الأطباق ، كانت زوجته تغسلها و يقوم هو بتجفيفها . قام بغسل الأطباق في الليلة الماضية . و بخلاف معظم الرجال الذين عرفهم ، كان أكثر حماساً للأعمال المنزلية .  قبل أشهر قليلة خَلت سمع إحدى صديقات زوجته تهنئها لوجود مثل هذا الزوج المتفهم، وقال في نفسه أنا أحاول .  كانت المساعدة في غسيل الأطباق طريقـته لإظهار مدى تفهمه .
     تحدّث مع زوجته عن أشياء مختلفة، وبطريقة ما تحدثا في موضوع زواج البيض من السود . و قال أنه رغم كل الاعتبارات يرى أنّ هذا الأمر فكرة سيئة .
     " لماذا ؟ " سألت زوجته .
     كان لزوجته أحياناً تلك النظرة؛ حيث تقطب حاجبيها و تعض شفتها السفلى و تحدّق بشيءٍ ما في الأسفل . و عندما يشاهدها هكذا يعرف أن عليه أن يبقى صامتاً ، و لكنه لم يفعل ذلك أبداً . في الواقع جعله الأمر يتحدث أكثر . وها هي تُظهر هذه النظرة الآن . تساءلت مرة أخرى " لماذا ؟ "  ووقفت هناك و يدها في داخل الطبق ، لم تكن تغسله و لكنها ترفعه فوق الماء .
     فقال " اسمعي ، ذهبت إلى المدرسة مع السود و عملت مع السود و عشت في نفس الشارع مع السود و كانت أمورنا تسير دائماً بشكل جيد . و لا أحتاج الآن أن تأتي إليّ و أنت تلمحين بأني عنصري " .
     " لم ألمح إلى أي شيء " قالت زوجته ، و بدأت تغسل الإناء مرة أخرى ، و تديره بشكل دائري كما لو كانت تشكِّله ، و أضافت " أنا فقط لا أعرف ما الخطأ في الأمر عندما يتزوج البيض من السود ، و هذا كل شيء " .
     فرد زوجها " إنهم ليسوا من نفس الثقافة كما هو الحال معنا . استمعي إليهم بعض الأحيان – حتى أن لهم لغتهم الخاصة . و لا بأس بذلك بالنسبة لي . أنا أحب أن أسمعهم و هم يتحدثون " . و كان الأمر كذلك ، و لسبب ما جعله هذا الأمر يشعر دائماً بالسعادة . و أضاف " لكنه صعب . إن شخصاً من ثقافتنا و آخر من ثقافتهم لن يستطيعا فهم بعضهم البعض " .
     " مثلما تعرفني ؟ " سألت زوجته .
     " نعم . مثلما أعرفك " .
     " و لكن إذا كانوا يحبون بعضهم " قالت زوجته . كانت تغسل الآن بشكل أسرع و لا تنظر إليه .
     فكر ، يا إلهي ، و قال " لا تأخذي كلامي حرفياً . أُنظري إلى الإحصائيات ، معظم تلك الزيجات تنتهي بالإنفصال " .
     " الإحصائيات " . كانت تكوم الأطباق على لوح التجفيف بترتيب رائع و تضربها بقطعة القماش . كانت معظم الأطباق مدهنة ، و كان هناك بقايا طعام بين أصابع الشوك . " حسناً " قالت له " ماذا  عن الأجانب ؟ أفترض أنك تعتقد بنفس الشيء حول الزواج من الأجانب " .
     " نعم " قال لها و أضاف " في الحقيقة أعتقد ذلك . كيف يمكنك أن تفهمي شخصاً قادماً من ثقافة مختلفة تماماً ؟ " .
     " مختلف ؟ " قالت زوجته " يعني ليس مثلنا " .
     فرد بحدة " نعم مختلف " و كان غاضباً من لجوئها إلى هذه الخدعة ، و هي إعادة كلماته حتى تبدو غبية جداً أو بلا قيمة حقيقية . " هذه وَسِخَة " وألقى جميع الأواني الفضية في المجلى مرةً أخرى .
     تـحولَ لون الماء إلى الرمادي . حدّقت في الـماء وضغطت شـفتيها معاً وأدخلت يديها تـحته . "آه " صرخت و قفزت إلى الخلف . أمسكَت يدها اليمنى من الرسغ و رفعتها . كان إبهامها ينزف .
     " لا تتحركي يا آن " قال لها ابقي في مكانك " . صعد الدرج راكضاً ثم إلى الحمام و قلّب صندوق الإسـعاف بحثاً عن الكحــول و القطن و الأربطة . وعندما عاد كانت متكئةً على الثلاجة وعيناها مغمضتان ، وما تزال تمسك بيدها . أمسك بيدها ولف إصبعها بالقطن . توقف النزف . ضغط الإصبع ليرى عمق الجرح، برزت نقطة دم، مرتعشة براقة وسقطت على الأرض . وبالنسبة لإبهامها فقد نظرت إلى زوجها باتهامية .
     " إنه سطحي " قال لها ، وأضاف " و غداً لن تعرفي أنه كان موجوداً أصلاً " كان يأمل أن تقدّر سرعته في تقديم الإسعاف لها، وقد تصرف بدافع الاهتمام بها ، لم يكن في باله أي شيء فيما يخص الحصول على مقابل منها . لكن هذه الفكرة استحوذت عليه الآن . ستكون لفتة لطيفة من جانبها ألا تبدأ بتلك المحادثة مرة أخرى لأنه تعب منها . و قال " سأنهي هنا ، اذهبي واستريحي " .
     " لا بأس " قالت له " سأقوم بالتجفيف " .
     بدأ بغسل الأواني الفضية مرة أخرى ، مركّزاً على الشُُوك .
     " إذن " قالت له " لم تكن لتتزوجني لو كنت سوداء " .
     " لأجل الرب يا آن " .
     " أليس ذلك ما قلته " .
     " لا ، لم أقل . إن السؤال بكامله سخيف فلو كنت سوداء لم نكن لنلتقي على الأرجح ، و سيكون لك أصدقاؤك و سيكون لي أصدقائي . و الفتاة السوداء الوحيدة التي عرفتها في حياتي كانت شريكتي في نادي الحوار ، و كنت أخرج معك في حينها " .
     " ولكن لو التقينا و كنت أنا سوداء ؟ " .
     " على الأرجح كنت ستواعدين شاباً أسود " و التقط أنبوب التنظيف وقام برش طقم الفضة . كان الماء ساخناً جداً لدرجة أن لون المعدن تحول إلى الأزرق الشاحب ثم عاد فضياً مرة أخرى .
     " لنقل أني لم أفعل " قالت له " لنقل أنني سوداء و غير مرتبطة و التقينا ووقعنا في الحب " .
     نظر إليها نظرة خاطفة . كانت تراقبه و كانت عيونها براقة .
     " اسمعي " قال لها مستخدماً أسلوباً منطقياً " هذا أمر سخيف . لو كنتِ سوداء فلن تكوني أنت " و حالما قال ذلك أدرك أن كلامه حقيقة بالمطلق .
     لم تكن هنالك طريقة ممكنة للجدال حول حقيقة أنها لن تكون نفسها لو كانت سوداء . فقال مرة أخرى " لو كنتِ سوداء لن تكوني أنتِ " .
     " أعرف " قالت له " و لكن دعنا نفترض ذلك " .
     تنفس بعمق . لقد ربح الجدال لكنه ما زال يشعر أنه محشور في زاوية .
     فسألها " أفترض ماذا ؟ " .
     " أنني سوداء ، ولكن بقيت أنا نفسي ، و وقعنا في الحب ، هل ستتزوجني ؟ " . فكر في الأمر .
     " حسناً " قالت له، و اقتربَت منه، و أصبحت عيونها أكثر تألّقاً " هل ستتزوجني ؟ " .
     قال " أنا أفكر " .
     " لن تفعل . أنا أقول لك سوف تقول لا " .
     " دعينا لا نتعجل هذا " قال لها . و أضاف " هناك العديد من الأشياء لأخذها بالاعتبار . لا نريد أن نفعل شيئاً نندم عليه بقية حياتنا " .
     " لا تفكر أكثر . إما نعم أو لا " .
     " بما أنكِ تَرَينَها بهذا الشكل – " .
     " نعم أم لا ؟  " .
     " يا إلهي يا آن . حسناً . لا " .
     فقالت " شـكراً " و خرجت من المطبخ إلى غرفة المعيشة، وبعد لحظة سـمع صوت تقليب صفحات مجلة . و عرف أنها في الحقيقة غاضبة لدرجة أنها لم تكن تقرأ ، و لكن لَم تُقلِّب الصفحات بالطريقة التي يفعلها هو . كانت تقلب الصفحات على مهل ، كما لو كانت تدرس كل كلمة فيها .
     كانت بذلك تظهر عدم اكتراثها به ، و كان لذلك الأثر الذي عرف أنها تريد إظهاره . و آلمه ذلك . لم يكن أمامه أي خيار إلا إظهار عدم الاهتمام تجاهها . و بهدوءٍ و نشاط غسل بقية الأطباق ثم جففها  ووضعها بعيداً . 
مسح الطاولات والمدفأة ثم فرك الأرضية بقطعة القماش حيث سقطت نقطة الدم . وأثناء قيامه بذلك قرر أن بإمكانه أن يمسح كل الأرضية . وعندما انتهى بدا المطبخ وكأنه جديد ، بنفس الشكل الذي بدا عليه عندما دخلا المنزل لأول مرة ، قبل أن يسكناه .
     حمل صفيحة القمامة وخرج . كان الليل قد حل و استطاع رؤية عدة نجوم إلى الغرب ، لم تستطع أضواء المدينة أن تطمسها .
     و على طريق (إل كامينو) ، كانت حركة السير منتظمة و خفيفة ، هادئة كنهر .  شعر بالخجل لأنه أتاح لزوجته أن تجره إلى شجار . ففي غضون ثلاثين سنة أخرى أو أكثر سيكونان ميتين، بماذا ستنفع كل هذه الأمور حينها ؟ فكر في السنوات التي قضياها معاً و مدى تقاربهما ، و كيف عرفا بعضهما جيداً ، فاضيقَّت حنجرته و تنفس بصعوبة . بدأ وجهه و رقبته بالاضطراب . تدفّق الدفء إلى صدره . وقف هناك للحظة ، مستمتعاً بتلك الأحاسيس ، ثم التقط الصفيحة و خرج من البوابة الخلفية . و قام الكلبان المولدان القادمان من أسفل الشارع بسحب صفيحة القمامة مرة أخرى . أحدهما كان يتدحرج على ظهره و الأخرى كانت تضع شيئاً في فمها . هرّت ، ألقت به في الهواء ، قفزت و أمسكته ، هرّت مرة أخرى و هزت رأسها بسرعة من جانب إلى آخر . وعندما رأياه قادماً هرولا بعيداً بخطوات قصيرة ومتكلفة . في العادة يقوم برميهما بالحجارة؛ ولكنه تركهما يذهبان هذه المرة.
     كان البيت مظلماً عندما دخله . و كانت هي في الحمام . وقف في الخارج عند الباب و ناداها باسمها . سمع صوت قرقعة الزجاجات ،ولكنها لم تجبه .
     " يا آن . أنا آسف ، حقيقة " ثم قال " سأعوضك عن ذلك ، أعدك " .
     فسألته " كيف ؟ " .
     لم يكن يتوقع هذا . و لكن من نبرة في صوتها ، اتكأ على الباب و قال هامساً " سأتزوجكِ " . " سنرى " قالت له " اذهب إلى الفراش و سأخرج في غضون دقيقة " . خلع ملابسه و دخل تحت الأغطية . و أخيراً سمع صوت باب الحمام يُفتَح و يُغلق . " أطفئ الأضواء " قالت له من الممر .
     فاستند و سحب السلسلة التي على جانب المصباح . فأظلمت الغرفة . و قال " حسناً ". اضطجعَ هناك ، لكن شيئاً لم يحدث . " حسناً " قال مرة أخرى . ثم سمع حركة عبر الغرفة فجلس لكنه لم يرَ شيئاً . و لفَّ الصمت الغرفة . دقَّ قلبه بشدة ، بنفس الشدة التي دقَّ بها في الليلة الأولى لاجتماعهما معاً أول مرة ، و بنفس الشدة التي يدقّها عندما يصحو على صوت ضجّة و ينتظر ليسمعها مرة أخرى – صوت شخص يتحرك في المنزل . شخص غريب .





















توبايس وولف : 
ولد عام 1945 في مدينة بيرمنغهام في ولاية آلاباما و شب في ولاية واشنطن . تسرب من المدرسة و عمل كبحار متدرب ، ثم التحق بالقوات الأمريكية الخاصة عام 1964 و خدم مظلياً في فيتنام و كان برتبة ملازم أول ، عندما ترك الجيش عام 1968 . ثم حصل على درجات علمية من جامعة أكسفورد و ستانفورد . و هو يدرس الآن في سيراكيوز حيث يسكن مع زوجته و ولديه . و هذه القصة من مجموعة قصصية بعنوان " هناك في العالم " back in the world  و هو مصطلح استخدمه العسكريون في فيتنام للإشارة للعودة إلى الحياة المدنية . نشرت هذه القصة أول مرة عام 1985.





              

1 comment:

  1. جهد رائع وانتقاء أروع

    كل التوفيق أبا ظافر

    عمر عبد العزيز

    ReplyDelete