قصة : توبايس
وولف
ترجمة : فتح كساب
كانا ينظفان الأطباق ، كانت زوجته تغسلها و
يقوم هو بتجفيفها . قام بغسل الأطباق في الليلة الماضية . و بخلاف معظم
الرجال الذين عرفهم ، كان أكثر حماساً للأعمال المنزلية . قبل أشهر قليلة خَلت سمع إحدى صديقات زوجته
تهنئها لوجود مثل هذا الزوج المتفهم، وقال في نفسه أنا أحاول . كانت المساعدة في غسيل
الأطباق طريقـته لإظهار مدى تفهمه .
تحدّث مع زوجته عن أشياء
مختلفة، وبطريقة ما تحدثا في
موضوع زواج البيض من السود . و قال أنه رغم كل الاعتبارات يرى أنّ هذا الأمر فكرة سيئة .
" لماذا ؟ " سألت زوجته .
كان لزوجته أحياناً تلك النظرة؛ حيث تقطب
حاجبيها و تعض شفتها السفلى و تحدّق بشيءٍ ما في الأسفل
. و عندما يشاهدها هكذا يعرف أن عليه أن يبقى صامتاً ، و لكنه لم يفعل ذلك أبداً .
في الواقع جعله الأمر يتحدث أكثر . وها هي تُظهر هذه النظرة الآن
. تساءلت مرة أخرى " لماذا ؟ " ووقفت هناك و يدها في
داخل الطبق ، لم تكن تغسله و لكنها ترفعه
فوق الماء .
فقال " اسمعي ، ذهبت إلى المدرسة مع
السود و عملت مع السود و عشت في نفس الشارع مع السود و كانت أمورنا تسير دائماً
بشكل جيد . و لا أحتاج الآن أن تأتي إليّ و أنت تلمحين بأني عنصري " .
" لم ألمح إلى أي شيء " قالت
زوجته ، و بدأت تغسل الإناء مرة أخرى ، و تديره بشكل دائري كما لو كانت تشكِّله ، و أضافت "
أنا فقط لا أعرف ما الخطأ في الأمر عندما يتزوج البيض من السود ، و هذا كل شيء
" .
فرد زوجها " إنهم ليسوا من نفس الثقافة
كما هو الحال معنا . استمعي إليهم بعض الأحيان – حتى أن لهم لغتهم الخاصة . و لا
بأس بذلك بالنسبة لي . أنا أحب أن أسمعهم و هم يتحدثون " . و كان الأمر كذلك
، و لسبب ما جعله هذا الأمر يشعر دائماً
بالسعادة . و أضاف " لكنه صعب . إن شخصاً من ثقافتنا و آخر من ثقافتهم لن
يستطيعا فهم بعضهم البعض " .
" مثلما تعرفني ؟ " سألت زوجته .
" نعم . مثلما أعرفك " .
" و لكن إذا كانوا يحبون بعضهم "
قالت زوجته . كانت تغسل الآن بشكل أسرع و لا تنظر إليه .
فكر
، يا إلهي ، و قال " لا تأخذي كلامي حرفياً . أُنظري إلى الإحصائيات ، معظم
تلك الزيجات تنتهي بالإنفصال " .
" الإحصائيات " . كانت تكوم
الأطباق على لوح التجفيف بترتيب رائع و تضربها بقطعة القماش . كانت معظم الأطباق
مدهنة ، و كان هناك بقايا طعام بين أصابع الشوك . " حسناً " قالت له
" ماذا عن الأجانب ؟ أفترض أنك تعتقد
بنفس الشيء حول الزواج من الأجانب " .
" نعم " قال لها و أضاف " في
الحقيقة أعتقد ذلك . كيف يمكنك أن تفهمي شخصاً قادماً من ثقافة مختلفة تماماً ؟
" .
" مختلف ؟ " قالت زوجته "
يعني ليس مثلنا " .
فرد بحدة " نعم مختلف " و كان
غاضباً من لجوئها إلى هذه الخدعة ، و هي إعادة كلماته حتى تبدو غبية جداً أو بلا قيمة حقيقية
. " هذه وَسِخَة " وألقى جميع الأواني الفضية في المجلى مرةً أخرى .
تـحولَ لون الماء إلى
الرمادي . حدّقت في الـماء
وضغطت شـفتيها معاً وأدخلت يديها تـحته . "آه "
صرخت و قفزت إلى الخلف . أمسكَت يدها اليمنى من
الرسغ و رفعتها . كان إبهامها ينزف .
" لا تتحركي يا آن " قال لها ابقي
في مكانك " . صعد الدرج راكضاً ثم إلى الحمام و قلّب صندوق الإسـعاف
بحثاً عن الكحــول و القطن و الأربطة
. وعندما عاد كانت متكئةً على الثلاجة وعيناها مغمضتان ، وما تزال تمسك
بيدها . أمسك بيدها ولف إصبعها بالقطن . توقف النزف . ضغط الإصبع ليرى عمق الجرح،
برزت نقطة دم، مرتعشة براقة وسقطت على الأرض . وبالنسبة لإبهامها فقد نظرت إلى
زوجها باتهامية .
" إنه سطحي " قال لها ، وأضاف
" و غداً لن تعرفي أنه كان موجوداً أصلاً " كان يأمل أن تقدّر سرعته في تقديم
الإسعاف لها، وقد تصرف بدافع
الاهتمام بها ، لم يكن في باله أي شيء فيما يخص الحصول على مقابل منها . لكن هذه
الفكرة استحوذت عليه الآن . ستكون لفتة لطيفة من جانبها ألا تبدأ بتلك المحادثة
مرة أخرى لأنه تعب منها . و قال " سأنهي هنا ، اذهبي واستريحي " .
" لا بأس " قالت له " سأقوم
بالتجفيف " .
بدأ بغسل الأواني الفضية مرة أخرى ، مركّزاً على الشُُوك .
" إذن " قالت له " لم تكن
لتتزوجني لو كنت سوداء " .
" لأجل الرب يا آن " .
" أليس ذلك ما قلته " .
" لا ، لم أقل . إن السؤال بكامله سخيف
فلو كنت سوداء لم نكن لنلتقي على الأرجح ، و سيكون لك أصدقاؤك و سيكون لي أصدقائي
. و الفتاة السوداء الوحيدة التي عرفتها في حياتي كانت شريكتي في نادي الحوار ، و
كنت أخرج معك في حينها " .
" ولكن لو التقينا و كنت أنا سوداء ؟
" .
" على الأرجح كنت ستواعدين شاباً أسود
" و التقط أنبوب التنظيف وقام برش طقم الفضة . كان الماء ساخناً جداً لدرجة
أن لون المعدن تحول إلى الأزرق الشاحب ثم عاد فضياً مرة أخرى .
" لنقل أني لم أفعل " قالت له
" لنقل أنني سوداء و غير مرتبطة و التقينا ووقعنا في الحب " .
نظر إليها نظرة خاطفة . كانت تراقبه و كانت
عيونها براقة .
" اسمعي " قال لها مستخدماً
أسلوباً منطقياً " هذا أمر سخيف . لو كنتِ سوداء فلن تكوني أنت
" و حالما قال ذلك أدرك أن كلامه حقيقة بالمطلق .
لم تكن هنالك طريقة ممكنة للجدال
حول حقيقة أنها لن تكون نفسها لو كانت سوداء . فقال مرة أخرى " لو كنتِ سوداء
لن تكوني أنتِ " .
" أعرف " قالت له " و لكن
دعنا نفترض ذلك " .
تنفس بعمق . لقد ربح الجدال لكنه ما زال
يشعر أنه محشور في زاوية .
فسألها " أفترض ماذا ؟ " .
" أنني سوداء ، ولكن بقيت أنا نفسي ، و
وقعنا في الحب ، هل ستتزوجني ؟ " . فكر في الأمر .
" حسناً " قالت له، و اقتربَت منه، و أصبحت
عيونها أكثر تألّقاً " هل ستتزوجني ؟ " .
قال " أنا أفكر " .
" لن تفعل . أنا أقول لك سوف تقول لا
" .
" دعينا لا نتعجل هذا " قال لها .
و أضاف " هناك العديد من الأشياء لأخذها بالاعتبار . لا نريد أن نفعل شيئاً
نندم عليه بقية حياتنا " .
" لا تفكر أكثر . إما نعم أو لا "
.
" بما أنكِ تَرَينَها بهذا الشكل –
" .
" نعم أم لا ؟ " .
" يا إلهي يا آن . حسناً . لا " .
فقالت " شـكراً " و خرجت من
المطبخ إلى غرفة المعيشة، وبعد لحظة سـمع صوت تقليب صفحات
مجلة . و عرف أنها في الحقيقة غاضبة لدرجة أنها لم تكن تقرأ ، و لكن لَم تُقلِّب الصفحات بالطريقة
التي يفعلها هو . كانت تقلب الصفحات على مهل ، كما لو كانت تدرس كل كلمة فيها .
كانت بذلك تظهر عدم اكتراثها به ، و كان
لذلك الأثر الذي عرف أنها تريد إظهاره . و آلمه ذلك . لم يكن أمامه أي خيار إلا
إظهار عدم الاهتمام تجاهها . و بهدوءٍ و نشاط غسل بقية الأطباق ثم
جففها ووضعها بعيداً .
مسح الطاولات والمدفأة ثم فرك الأرضية بقطعة القماش
حيث سقطت نقطة الدم . وأثناء قيامه بذلك قرر أن بإمكانه أن يمسح كل الأرضية .
وعندما انتهى بدا المطبخ وكأنه جديد ، بنفس الشكل الذي بدا عليه عندما دخلا المنزل
لأول مرة ، قبل أن يسكناه .
حمل صفيحة القمامة وخرج . كان الليل قد حل و
استطاع رؤية عدة نجوم إلى الغرب ، لم تستطع أضواء المدينة أن تطمسها .
و على طريق (إل كامينو) ، كانت حركة السير
منتظمة و خفيفة ، هادئة كنهر . شعر بالخجل
لأنه أتاح لزوجته أن تجره إلى شجار . ففي غضون ثلاثين سنة أخرى أو أكثر سيكونان
ميتين، بماذا ستنفع كل هذه الأمور حينها ؟ فكر في السنوات التي قضياها معاً و مدى
تقاربهما ، و كيف عرفا بعضهما جيداً ، فاضيقَّت حنجرته و تنفس
بصعوبة . بدأ وجهه و رقبته بالاضطراب . تدفّق الدفء إلى صدره . وقف هناك للحظة ،
مستمتعاً بتلك الأحاسيس ، ثم التقط الصفيحة و خرج من البوابة الخلفية . و قام
الكلبان المولدان القادمان من أسفل الشارع
بسحب صفيحة القمامة مرة أخرى . أحدهما كان يتدحرج على ظهره و الأخرى كانت تضع
شيئاً في فمها . هرّت ، ألقت به في الهواء ، قفزت و أمسكته ، هرّت مرة أخرى و هزت
رأسها بسرعة من جانب إلى آخر . وعندما رأياه قادماً هرولا بعيداً بخطوات قصيرة
ومتكلفة . في العادة يقوم برميهما بالحجارة؛ ولكنه تركهما يذهبان
هذه المرة.
كان البيت مظلماً عندما دخله . و كانت هي في
الحمام . وقف في الخارج عند الباب و ناداها باسمها . سمع صوت قرقعة الزجاجات ،ولكنها لم تجبه .
" يا آن . أنا آسف ، حقيقة " ثم
قال " سأعوضك عن ذلك ، أعدك " .
فسألته " كيف ؟ " .
لم يكن يتوقع هذا . و لكن من نبرة في صوتها
، اتكأ على الباب و قال هامساً " سأتزوجكِ " . " سنرى " قالت
له " اذهب إلى الفراش و سأخرج في غضون دقيقة " . خلع ملابسه و دخل تحت
الأغطية . و أخيراً سمع صوت باب الحمام يُفتَح و يُغلق . " أطفئ الأضواء
" قالت له من الممر .
فاستند و سحب السلسلة التي على جانب المصباح
. فأظلمت الغرفة . و قال " حسناً ". اضطجعَ هناك ، لكن شيئاً لم
يحدث . " حسناً " قال مرة أخرى . ثم سمع حركة عبر الغرفة فجلس لكنه لم
يرَ شيئاً . و لفَّ الصمت الغرفة . دقَّ قلبه بشدة ، بنفس الشدة التي دقَّ بها في
الليلة الأولى لاجتماعهما معاً أول مرة ، و بنفس الشدة التي يدقّها عندما يصحو على
صوت ضجّة و ينتظر ليسمعها مرة أخرى – صوت شخص يتحرك في المنزل . شخص غريب .
توبايس وولف :
ولد عام 1945 في
مدينة بيرمنغهام في ولاية آلاباما و شب في ولاية واشنطن . تسرب من المدرسة و عمل
كبحار متدرب ، ثم التحق بالقوات الأمريكية الخاصة عام 1964 و خدم مظلياً في فيتنام
و كان برتبة ملازم أول ، عندما ترك الجيش عام 1968 . ثم حصل على درجات علمية من
جامعة أكسفورد و ستانفورد . و هو يدرس الآن في سيراكيوز حيث يسكن مع زوجته و ولديه
. و هذه القصة من مجموعة قصصية بعنوان " هناك في العالم " back in the world و هو مصطلح استخدمه العسكريون
في فيتنام للإشارة للعودة إلى الحياة المدنية . نشرت هذه القصة أول مرة عام 1985.
جهد رائع وانتقاء أروع
ReplyDeleteكل التوفيق أبا ظافر
عمر عبد العزيز