أشغل هذا السؤال
حيزا كبيرا بين المفكرين والفلاسفة الأوائل واللاحقين كما كان أحد محاور الجدل
الكبيرة في الد
لو تتبعنا مراحل
تطور الإنسان لوجدنا أنه كان حرا في قرار الترحال والإقامة في الفترة البدائية،
لكنه كان عبدا لخوفه من عناصر الطبيعة وحيواناتها الضارية إضافة لسؤال ما بعد
الموت. أما في فترة الاستقرار الزراعي وتدجين الحيوانات وظهور الديانات الأولى،
فقد تحرر الإنسان من خوفه فيما يخص توفير الطعام وأصبح عبدا لجوانب أخرى مثل
القوانين التي نظّمت علاقته بالأرض والسماء والبشر الذين تولوا تسويق فائض أنتاجه
الزراعي. وازداد الأمر سوءا بعد نشوء الدول واضطراره للتخلي عن مزيد من حرياته
الفردية والاندماج في الذات الجماعية، وهذا جعله عرضة للقتل أو السجن أو الاستعباد
إذا لم يقايض حريته الطبيعة بالأمان الذي توفره تلك الدول.
أما فترة الثورة
الصناعية وما بعدها فقد تحول الإنسان عبدا لعمله ولصاحب المصنع الذي يوفر له
العمل. وفي نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين أصبح هذا الكائن
عبدا لكل ما تقدم ذكره مضافا إليه وسائل الاتصال الحديثة بحيث وصل حالة من الإدمان
يحتاج معها للخضوع للعلاج. ورغم كل
الثورات التي قامت لتحرير الإنسان من قيود عبوديته المختلفة، إلا أنه في مقابل كل
مكتسب يحصل عليه كان يخسر أضعاف ما ربحه. وهو ما يعيده إلى المربع الأول.
وختاما أقول أن
الأنسان لم يكن يوما حرا بالمعنى المطلق للحرية وبالتالي كانت كل حياته عبارة عن
دائرة مغلقة من الصراع من محاولات التحرر المفضية للفشل باستمرار. وما تراكم لدينا
من معرفة حول التاريخ يُظهر لنا ميل هذا الكائن للاستكانة والميل للاستقرار على
حساب حرياته المُتمناة أو المُتخَيلة. فمن إسمه إلى دينه والثقافة المجتمعية
المزروعة في دماغه، كلها إلزامات لم يكن له فيها أي خيار. فماذا تبقّى من حريته؟
No comments:
Post a Comment