مما كتبه ابن بطوطة بعد وفاته.
فتح كساب
ومن أعجب
ما رأيت عند أهلي من البصرة إلى طنجة في طريق عودتي ، والذي لم أكن ألحظه
قبل رحلتي، ما يقبله الناس سرا ويلعنونه في العلن من مثل:
أنهم جميعا، وبالأخص عوامهم، يلعنون الفساد والمفسدين. لكنهم إذا خلوا إلى أنفسهم دعوا الله مخلصين أن يطيل في عمر الفاسدين وأن يديم نعمة الفساد عسى أن تدور الأيام وتكون لهم حصة منه.
ومن عجيب النفس العربية أنه إذا قام أحد المتهمين بالقرب من أولي الأمر أو حاشيتهم بالاتصال سرا أو الجلوس علنا مع أي جهة من أعداء الأمة ، أوسعوه شتما وتخوينا، لكنهم إذا حانت لحظة انتخابات أعادوا انتخابه لأنه حسب زعمهم الأقرب للحكومة والأقدر على خطف حصة لهم من كعكة الفساد المتأصلة. أما إذا قام بنفس الفعل أحد أصحاب اللحى، أو كما يسمونهم "الأيدي المتوضأة"، فالصمت سيد الموقف. وإذا ناقش أحد ذلك مع العوام فهذا هو الكفر عينه ولا شيء سواه. وكأن لسان حالهم يقول لا بأس بالتطبيع المقدس، لكن ما عداه فهو الدنس لا غير.
ومما سمعت وشاهدت كذلك، تأمين المصلين يوم الجمعة لدعاء الإمام للحكام وبطانتهم بطول العمر وسداد الرأي. لكنهم إذا غادروا مسجدهم اتهموا إمامهم بالنفاق وشتموا أمه أو أخته بأقذع ما يمكن من الكلمات. وإذا حضروا اجتماعا عاما أو احتفالا هتفوا للقائد الملهم وكادوا أن يسجدوا له. ويبطشون في لحظة الانفعال تلك بكل من تسول له نفسه المساس بألوهية أو قداسة القائد الرمز ، ويعزون ما يتعرضون له من نهب وبطش إلى البطانة الفاسدة التي ينخدع بها القائد كل مرة يعيد تعيين أحد أولئك البطانة في منصب عام، جريا على التساؤل الشعبي السائد ( وهو طويل العمر يدري؟ لو كان يدري كان خوزقهم). لكني لم أرَ من المُخَوزَقين سوى ضعاف الناس وأولئك المطالبين بالإصلاح والعدل.
أما أهل الحل والعقد فيهم، فحدث عن البحر ولا حرج. وهم على أصناف ثلاثة. فالأول هم من سوّغوا البطش والفساد لمن يسمي نفسه الممانع للأعداء، والصنف الثاني الذين سوّغوا البطش والفساد للحفاظ على الأمن والأمان. أما الثالث فهم الذين لم يقبلوا من هؤلاء ولا أولئك مسوغا، وينهال عليهم وابل التكفير والتخوين والعمالة من أولي الأمر وأهل الحل والعقد، حتى صار العوام يرونهم من مردة الشياطين. وأخيرا ظهرت فئة جديدة لا يمكن إدراجها مع العوام ولا أهل الحل والعقد، وهم مختلفون في لباسهم وزينتهم. فهم لامعون شكلا، ألسنتهم سريعة بالتبرير، قادرون على تحريف الكلم عن مواضعه دون أدنى درجات تأنيب للضمير. يبررون بيع البلاد واستعباد العباد وكل ما يقولون وما يفعلون ، حتى لوكان منافيا لما يراه أو يؤمن به العباد، كل ذلك يرونه وجهة نظر لا تستوجب اندهاشا ولا استهجانا.
وأعجب ما رأيت ، ولم أره عند غير العرب، هو دعائهم بخراب الديار وتشتيت الشمل وجفاف الضرع وحرق الزرع لمن هو مخالف لهم. والمخالفة قد تكون في الدين أو في المذهب لأهل الدين الواحد. وقد تكون المخالفة في نوع اللباس أو الطعام الذي يلبسه أو يأكله أولئك المخالفون. ورغم ذلك تراهم يهرعون زرافات ووحدانا يطلبون إذن دخول لبلاد أولئك المخالفين للعيش معهم والعمل لديهم . فإذا وصلوا تلك البلاد واستقامت لهم الأمور وصموا أهل تلك البلاد بالكفر والانحلال وغير ذلك من قبيح العبارة. وهم من أكثر الخلق حديثا عن الأخلاق ولا يفعلون ما يطابق حديثهم. فعند سادتهم "أعذب الشعر أكذبه"، وعند عوامهم "الكذب ملح الرجال". وهم يبيحون لأبنائهم ومن هم عزيزين عليهم فعل كل ما يحلوا لهم سرا، ويعيبون على غيرهم إن كُشِف أمرهم. والحلال ما حلَّ في أيديهم والحرام ما طار إلى أيدي غيرهم. والأخلاق للتَّزيُّن لا للعمل. فسبحان الذي له الدوام وله الأمر من قبل ومن بعد.
في عام ما في شهر ما في يوم ما.
أنهم جميعا، وبالأخص عوامهم، يلعنون الفساد والمفسدين. لكنهم إذا خلوا إلى أنفسهم دعوا الله مخلصين أن يطيل في عمر الفاسدين وأن يديم نعمة الفساد عسى أن تدور الأيام وتكون لهم حصة منه.
ومن عجيب النفس العربية أنه إذا قام أحد المتهمين بالقرب من أولي الأمر أو حاشيتهم بالاتصال سرا أو الجلوس علنا مع أي جهة من أعداء الأمة ، أوسعوه شتما وتخوينا، لكنهم إذا حانت لحظة انتخابات أعادوا انتخابه لأنه حسب زعمهم الأقرب للحكومة والأقدر على خطف حصة لهم من كعكة الفساد المتأصلة. أما إذا قام بنفس الفعل أحد أصحاب اللحى، أو كما يسمونهم "الأيدي المتوضأة"، فالصمت سيد الموقف. وإذا ناقش أحد ذلك مع العوام فهذا هو الكفر عينه ولا شيء سواه. وكأن لسان حالهم يقول لا بأس بالتطبيع المقدس، لكن ما عداه فهو الدنس لا غير.
ومما سمعت وشاهدت كذلك، تأمين المصلين يوم الجمعة لدعاء الإمام للحكام وبطانتهم بطول العمر وسداد الرأي. لكنهم إذا غادروا مسجدهم اتهموا إمامهم بالنفاق وشتموا أمه أو أخته بأقذع ما يمكن من الكلمات. وإذا حضروا اجتماعا عاما أو احتفالا هتفوا للقائد الملهم وكادوا أن يسجدوا له. ويبطشون في لحظة الانفعال تلك بكل من تسول له نفسه المساس بألوهية أو قداسة القائد الرمز ، ويعزون ما يتعرضون له من نهب وبطش إلى البطانة الفاسدة التي ينخدع بها القائد كل مرة يعيد تعيين أحد أولئك البطانة في منصب عام، جريا على التساؤل الشعبي السائد ( وهو طويل العمر يدري؟ لو كان يدري كان خوزقهم). لكني لم أرَ من المُخَوزَقين سوى ضعاف الناس وأولئك المطالبين بالإصلاح والعدل.
أما أهل الحل والعقد فيهم، فحدث عن البحر ولا حرج. وهم على أصناف ثلاثة. فالأول هم من سوّغوا البطش والفساد لمن يسمي نفسه الممانع للأعداء، والصنف الثاني الذين سوّغوا البطش والفساد للحفاظ على الأمن والأمان. أما الثالث فهم الذين لم يقبلوا من هؤلاء ولا أولئك مسوغا، وينهال عليهم وابل التكفير والتخوين والعمالة من أولي الأمر وأهل الحل والعقد، حتى صار العوام يرونهم من مردة الشياطين. وأخيرا ظهرت فئة جديدة لا يمكن إدراجها مع العوام ولا أهل الحل والعقد، وهم مختلفون في لباسهم وزينتهم. فهم لامعون شكلا، ألسنتهم سريعة بالتبرير، قادرون على تحريف الكلم عن مواضعه دون أدنى درجات تأنيب للضمير. يبررون بيع البلاد واستعباد العباد وكل ما يقولون وما يفعلون ، حتى لوكان منافيا لما يراه أو يؤمن به العباد، كل ذلك يرونه وجهة نظر لا تستوجب اندهاشا ولا استهجانا.
وأعجب ما رأيت ، ولم أره عند غير العرب، هو دعائهم بخراب الديار وتشتيت الشمل وجفاف الضرع وحرق الزرع لمن هو مخالف لهم. والمخالفة قد تكون في الدين أو في المذهب لأهل الدين الواحد. وقد تكون المخالفة في نوع اللباس أو الطعام الذي يلبسه أو يأكله أولئك المخالفون. ورغم ذلك تراهم يهرعون زرافات ووحدانا يطلبون إذن دخول لبلاد أولئك المخالفين للعيش معهم والعمل لديهم . فإذا وصلوا تلك البلاد واستقامت لهم الأمور وصموا أهل تلك البلاد بالكفر والانحلال وغير ذلك من قبيح العبارة. وهم من أكثر الخلق حديثا عن الأخلاق ولا يفعلون ما يطابق حديثهم. فعند سادتهم "أعذب الشعر أكذبه"، وعند عوامهم "الكذب ملح الرجال". وهم يبيحون لأبنائهم ومن هم عزيزين عليهم فعل كل ما يحلوا لهم سرا، ويعيبون على غيرهم إن كُشِف أمرهم. والحلال ما حلَّ في أيديهم والحرام ما طار إلى أيدي غيرهم. والأخلاق للتَّزيُّن لا للعمل. فسبحان الذي له الدوام وله الأمر من قبل ومن بعد.
في عام ما في شهر ما في يوم ما.
No comments:
Post a Comment