فتح كساب
كثيرا ما نسمع كلمة استقالة في أماكن أعمالنا أو في سهراتنا أو حتى في
وسائط النقل العمومي, لكنها لا تثير اهتمامنا كثيراً لأنها في أغلب الأحوال تتعلق
بفرد , وحتى لو كانت تتعلق بمجموعة من الأفراد فهذا أمر عادي قد يحصل في أي مؤسسة
أو دولة.
لكن الغريب المريب غير المُبرر هو أن تكون هذه الاستقالة (شعبية) أي أن
يقوم شعب كامل بتقديم استقالته من التاريخ والجغرافيا والسياسة ومن الحياة عينها .
نعم هناك ما يزيد عن 300 مليون كائن مُستقيل من المجالات الذكورة أعلاه لكن دون
إبداء أسباب واضحة لتلك الفعلة الشنيعة.
ما جعلني أقول وأكتب هذا هو رؤية بعض المشاهد المعروضة في قناة الجزيرة
والمتعلقة بالانقلاب الذي قام به مجموعة من العسكر في موريتانيا . وعندما ظهر
الناسُ في الصورة بعد طول انتظار لطلعتهم البهية لم تكن وجوههم تعبر عن أي شيء سوى
الإرباك و البلاهة. ليس المقصود بهذا كائنات موريتانيا وحدها بل كل الكائنات التي
تسكن المنطقة الجغرافية الممتدة من (المحيط الهادر إلى الخليج الثائر!!!!!!) .
لم تتغير الصورة كثيراً منذ فترة ما سُمّي (بعهد ما بعد الاستقلال) حيث
بدأت الانقلابات منذ الخمسينيات من القرن الماضي واستمرت حتى أواسط السبعينيات ثم تختفي فجأة أو تُنسى فترة من الزمن ثم تطل برأسها في مشهد
كاريكاتوري يثير البكاء أكثر من الضحك من حين إلى آخر . يبدأ المشهد بالبيان رقم
واحد الذي يُفرض فيه حظر التجوال ُثم يتباكى فيه العسكر على كرامات الناس المهدورة
وحقوقهم الضائعة وأموالهم المنهوبة .
ينتقل المشهد بعد ذلك إلى الشارع حيث يقوم نفس الناس الذين كانوا يهتفون
بالأمس (بالروح بالدم نفديك يا .....) يقومون بمباركة الانقلاب وتعداد مناقب من
قاموا به ويسبون ويلعنون النظام البائد وأزلامه , ويتكرر المشهد من انقلابٍ إلى آخر
حاملاً نفس المشاهد التي لم تعد تثير في النفس إلا الرغبة في التقيؤ أو أي أمر
مقزز قد يخطر في البال .
لا أعتقد أن هذا سلوك كائنات من ذوات الدم الحار , لأنه أقرب ما يكون إلى
سلوك الرخويات (ذوات الأقدام الكاذبة) التي تستطيع تكييف نفسها لكل الظروف مهما
كان نوع أو أثر تلك الظروف على تلك الكائنات التي لا تُرى بالعين المجردة. بعض
المتفائلين فسرها بأنها حالة خصاء –أي أن الجميع تحولوا إلي خصيان – لكن حتى
الخصيان كانوا يتحركون ويفكرون ويثورون أحياناً ويتولون مقاليد الحكم (وهذا لا
يحدث إلا في بلاد الكائنات الرخوية) .
إذن ما التفسير لكل هذا ؟
أزعم أن القهر والظلم والجوع والفقر ووسائل الإعلام الموجهة المدعومة من
البترودولار المقدس والعمائم المملوءة
بالدولارات الجاهزة للفتوى والمناهج المدرسية الموضوعة بكل عناية لإخراج الأطفال
من الدائرة الإنسانية إلى الدائرة الرخوية
إضافة إلى كل الطبخات السرية التي لا نعلم عنها ولا نرى منها سوى كوارثها
هي ما أدت إلى كل هذا.
لكن ألا تتغير الكائنات وتتحول أو تقوم بعمل طفرات جينية للتخلص من أي شيء
قد يؤدي إلى شلًها أو قتلها؟ نعم تفعل دائماً . لكن كائنات العرب تبقى لغزاً
مُحيّراً لعلماء الأحياء والفيزياء والكيمياء والاجتماع والنفس , وأي علماء قد
يخطرون ببالك (ما عدا العلماء الفقهاء الذين ساهموا في إنتاج هذه الكائنات).
أرجو المساعدة في حل هذا اللغز الكابوس . شكراً.
6/08/2008
No comments:
Post a Comment