فتح كساب
تقول إحدى الحكايات الهندية القديمة أن" ملكاً
متجبراً حكم الهند بالحديد والنار متجاهلاً مشاعر العوام مضطهداً النخبة وخاصة
الفلاسفة والعلماء. وكان ذلك الملك ذكياً يتنبأ بسلوك الناس عن طريق " العسس
والبصاصين" الذين عينهم وزيره ليجمعوا له نكات الناس المتعلقة بتجبر الملك
وحاشيته وفسادهم المتزايد وجشعهم الذي لا يعرف حدوداً. وفي أحد الأيام حضر الوزير
باكراً ليخبر سيده أن بصاصيه لم يسمعوا أي نكتةٍ منذ أسبوعٍ مضى, فأٌصيب الملك
بالذعر وأمر خدمه بالإعداد لرحلة بلا عودة , فاستهجن الوزير منه ذلك وتساءل عن
السبب فأجاب الملك أن الناس وصلوا مرحلة اللاعودة وأنهم إن أمهلوه اليوم فلن
يمهلوه غداً وصار من الأجدى له أن ينجو بحياته قبل أن تصل إليه أيدي المظلومين
والبائسين الذين لم يبقَ لديهم ما يخافونه" .
لقد قمت بنقل هذه الحكاية التي قد تكون غريبةً وثقيلةً
على أسماع المواطنين العرب الذين لم تحركهم ديكتاتورية ولا أحزاب ولا مثقفون ولا
شعر ولا نثر ولا حتى إطارات "دنلوب" التي قالت عنها صباح جزائري في
مسرحية "كاسك يا وطن " بأنها تعبر أوعر الطرقات حتى طريق الوحدة
العربية.
هل ما يحدث للناس أمر عادي لا يستحق الحديث فيه في القرن
الحادي والعشرين؟
هل لامبالاة الناس تجاه ما يعانونه رد فعل بشر أم حيرة
اللابشر؟
بدأ الأمر بالحكم باسم الله عندما قال عثمان " لا
أخلع قميصاً سربلنيه الله" ,عندما طلب منه التنحي عن الحكم بسبب ظلم وفساد
الولاة من أقربائه وأنسبائه, ثم تحول إلى حكم التجار مع معاوية ثم تراجع ليصبح
قبلياً مع مروان بن الحكم وخلفائه ثم عاد باسم الحق الإلهي مع العباسيين ومن تلاهم
حتى وصَلَنا هذه الأيام وشرعيته الوحيدة التي يحكم باسمها القوة والبطش.
والسؤال الملحُ على الطرح أين كان الناس من كل ذلك؟
لم يكونوا إلا في ساحة الحرب وقوداً لها يدافعون عن
ديكتاتور ليحل محله آخر أقدر منه على ابتكار وسائل جديدة في التسلط والقهر والنهب
دون أن يكون لهم إلا المغرم , أما المغنم والطاعة فهو لمن غلب بالسيف كما أفتى
الفقهاء أدام الله بقاءهم!.
لماذا تثور كل أمم الأرض لكراماتها وحقوقها ويبقى العرب
بلا كرامة ؟
ماذا تبقى لنا بعد أن أصبحنا نُوَرّث لأبناء سادتنا كما
تُورّثُ البهائم؟
هل ما نحن فيه صبّرٌ أم ذل استمرأناه وألفناه حتى أصبح
عضوياً فينا؟
نُقهر في يومنا ألف مرة ولا نشتكي ولا نتذمر , تُباع دُولنا
وكرامتنا ونُعاملُ كأبقار المزرعة التي تُرسل إلى الجزار عندما تتوقف عن الحلب
والإنجاب ولا ننبس ببنت شفة , نُداس
بالأحذية ونُضرَبُ بالهراوات إذا حاولنا التعرف إلى إنسانيتنا .
هل السبب كامن في الانتهازية التي تعلّمناها من أيام
الهيام الصحراوي ؟ أم أنه الدين الذي كيّفه الفقهاء ليناسب مقياس جيوبهم وأهواء
الحاكم ؟ أم لأن الحرية لا تُناسب عقولنا التي غُسلت وحُشيت بالذل والعبودية
والطاعة العمياء وعدم طرح التساؤلات والبحث عن الإجابات الجاهزة حتى لو لم يكن لها
أي معنى أو منطق تستند إليه؟.
لقد مللت من التفكير وطرح الأسئلة لأني لست معتاداً على
النشاط الدماغي الإرادي , لذا أرجو المساعدة ممن لديه القدرة على التفكير لأكثر من
خمس دقائق.
وشكراً.
2007
No comments:
Post a Comment