Friday, November 7, 2014

انعدام وزن




فتح كساب

يحار الشباب في الوطن العربي في أمر وجودهم، فهم بلا خيارات ولا فرص، لقد فقدوا الاهتمام بكل شيء وأصبحت اللامبالاة هي القاعدة وما عداها هو الاستثناء، وأغلب الظن أن ما يحدث يعود إلى التناقضات التي يعيشها الإنسان العربي منذ الولادة إلى الموت.
يولد الطفل في جو من البهجة والفرح، لكن الخوف من المجهول الذي ينتظر الفقير يحوِّل تلك البهجة إلى تجهم  وحزن وتوتر ينعكس على تربية الطفل وتكوينه النفسي والاجتماعي، فالأب المنهك ماليًا وجسدياً ونفسيا يضرب الطفل معللا ذلك أن الضرب سيجعل منه رجلا!!
ثم ينتقل الطفل إلى المدرسة حيث تبدأ عملية حشو دماغه بالمتناقضات. ففي حصة التربية الإسلامية يلقنه المعلم الغيبيات المختلطة بالأساطير على أنها مسلّمات لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها.
وفي دروس الرياضيات والعلوم يتم تلقينه نظريات فيثاغورس وأرخميدس ، ويصل الأمر إلى قول آينشتاين بنسبية الأشياء وأن لا وجود للمطلقات فيرتبك هذا الكائن ولا يستطيع أن يحدد أين هو في هذا التناقض العجيب وما الذي عليه أن يثبته أو ينفيه.
في مرحلة المراهقة والشباب تزداد الأمور إبهاماً وتعقيداً فتجربة الأب وطريقته في التعامل مع المشكلات  مفروضة على المراهق دون الاكتراث لرأيه أو عقله وذلك بكل بساطة لأن (المراهق أو الشاب لا يعرف مصلحته).
وخارج البيت تظهر تناقضات من نوع آخر . فالشاب المسكين يسمع بشيء يدعى (ديمقراطية) لكنه يواجه القمع والاضطهاد ويسمع عن( حرية التعبير) فإذا تكلم في البيت أو الشارع أو إحدى مؤسسات(المجتمع المدني!؟) فإنّ كل لعنات السماء والأرض ُتصبُّ على رأسه وربما يصل الأمر إلى الحبس أو سحب "الجنسية" وذلك لأنه (لا يعرف مصلحته أو أنه ضحية لمؤامرة حاكها بعض المندسّين في ..... الوطن)
وفي أماكن العمل يصاب المسكين بالصداع لكثرة حديث رئيسه عن التفاني في العمل، وبعد الخطابات الرنانة عن الانتماء في الاجتماعات والدورات  يخرج الموظفون ضاحكين من حكي السرايا وحكي القرايا مدركين بأنهم لو نفذوا ما يطلب مديرهم سيكون مصيرهم الطرد من الوظيفة .
 أما الحديث عن الشفافية فهو ذو شجون . أدّعي أن 99% من مواطني الوطن العربي لا يعرفون ما هي ولا ماذا تعني لأن رائحة الفساد تزكم أنوفهم وتعطّل ما بقي (إن بقي شيء) من خلايا أدمغتهم .
ويزداد الطين بلة عندما يقوم شخص ما بإقناع المواطن المسكين بأن الحل لكل هذا هو بالانتماء إلى أحد الأحزاب (الديمقراطية التقدمية النووية المعارضة!) للخلاص والتغيير، حينها تكون الطامة الكبرى! فالأمين العام منتخب إلى الأبد والأعضاء القدامى مهما انحط مستواهم الثقافي أو الأخلاقي أو الفكري مقدسون لا يجرؤ أحد على المساس بهم, والديمقراطية مجرد حبر على ورق, والشفافية لا وجود لها ..... أما حرية التعبير والرأي  والرأي الآخر والنقد والنقد الذاتي فحدّث عن البحر ولا حرج لا يعرفها العضو أو يتحدث فيها إلا إذا قرر الاستقالة أو الانفصال (الانشقاق!)  وعندها تنهال عليه تُهم الخيانة والعمالة (للمجهول) من كل حدب وصوب بعضها ممن يعرفه وبعضها ممن لم يسمع بهم طيلة حياته .        
وبعد فهذا غيض من فيض مما يعيشه الناس في هذه البقعة من العالم , فهل بعد كل ما ذُكر يبقى للإنسان وزن؟  
        
   

No comments:

Post a Comment