بقلم: فتح كساب
قال قس
بن ساعدة الإيادي "إذا رأيت حرباً شجاعها يجبن وجبانها يجرؤ، فاذهب إلى رابية
وترقب الأحداث ترى أن في الأمر خيانة". وقال " أفضل العقل معرفة المرء
نفسه".
وقال
الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه "لا تستوحشوا طريق الحق لقلة السالكين
فيه". وقال أيضا" أيها الحق لم تترك لي صاحبا".
تُطالعنا
بين الفينة والأخرى أصوات نشاز- وخاصة في فترات الانتخابات – تزعم أن السياسة لعبة
وفن يجوز فيها للخصوم أن يفعلوا فيها الأفاعيل للوصول إلى غايتهم، ألا وهي الوصول
لسدة الحكم مهما كلَّف الثمن. وقد يكون هذا الزعم مقبولا عندما تكون الأوطان في
حالة من القوة والاستقرار، وذات سيادة ولها مشاريعها النابعة من إرثها الثقافي
وحاجاتها ومصالحها السياسية التي لا تشوبها شوائب التبعية. ولكن أن يتم انتهاج هذا
النهج والأوطان في أسوء حالاتها الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، فهذا
من الخيانات التي تنبع من الأنانية التي تقود صاحبها وتبيح له كل ما هو مباح وغير
مباح للوصول إلى مبتغاه بشتى الوسائل المقبولة وغير المقبولة.
أي
ذريعة تُبيح لفرد أو حزب أو أي جهة أن تتحالف أو تتشارك مع من يُعد تابعا ذليلا من
أجل الوصول للسلطة؟ وهل ادعاء أن الوصول لمركز صناعة القرار لمحاولة إصلاح هيكلٍ
خَرِب من الداخل كان ذو جدوى منذ ابتُدِع علم السياسة إلى اليوم؟ وهل هانت إنسانية
الإنسان لدرجة أن يصبح رقماً يُباعُ ويُشترى من أجل إتمام صفقةٍ، الخاسر الوحيد
فيها هو الإنسان البائس؟
في الحالات
التي تكون فيها الأمم في أشد حالات انهيارها، يُحتم المنطق على من يتصدى للعمل
العام أن تكون لديه الحدود الدنيا- على الأقل- من أخلاق الفرسان والانتماء لمن
يدعي تمثيلهم أو النطق باسمهم. لكن ما نراه من طنجة إلى البصرة يُثبِت العكس. حيث يُبيح
البعض لنفسه أن يتحالف مع الجهات الأمنية التي تُحافظ على كراسي الأنظمة المتسلطة
التابعة الذيلية لمن يدمر مشاريع نهضة الأمة – إن وُجِدَت- ويبيح البعض الآخر
التحالف مع جهاتٍ تدَّعي أنها حزبية معارِضة، لكنها في الباطن متحالفة مع تلك
الأنظمة، ومع من يُوجه الأنظمة من الخارج إن أُتيحت لها الفرصة للحصول على حصة
أكبر من الغنيمة.
لا
أدعي المثالية ولا أدعي الوطنية أو الانتماء أكثر من غيري، ولكن أن تتم الصفقات
جهارا نهارا دون مراعاة لأي قيمة أخلاقية فهذه من المصائب التي لا دفع لها سوى
بالعمل القائم على فضحها، لإبعادنا نحن "الدهماء" – كما تم الاصطلاح على
تسميتنا- عن هذا التلوث الأخلاقي الذي لن يقود إلا إلى مزيد من الانهيار والسقوط.
الأدهى
والأمرّ والذي استدعى كتابة هذه السطور هو أن يكون أحد أطراف هذه التحالفات العفنة
هو المعلم. المُعلِّم الذي يُفترض أن يكون القائد في صراع نهضة الأوطان للخروج بها
من أوحال الهزيمة والتردي. لكن ما طفا على السطح كان العكس تماما. حيث تبين أن
المعلم لا يختلف عن غيره من الفئات التي أباحت لنفسها اللعب بمصائر الناس وساعدت
وتساعد على هدم آخر الحصون- ألا وهو الحصن الثقافي. ذلك الحصن الذي ما يزال الناس
يحاولون الإمساك بتلابيبه لحمايتهم من أعدائهم الداخليين والخارجيين على حدٍ سواء.
كان
الأجدر بالمعلمين، في هذه الظروف الشديدة الحلكة، أن يكونوا الطليعة التي تُضحي من
أجل حفظ كيان هذه الأمة وإعادة بناء ثقافتها لتبقى صامدة وقادرة على التصدي لما
يُحاك لها داخليا وخارجيا.
لم يعد
هناك من مهرب طالما أن الثقافة أصبحت على المحك. فأبشروا بسقوط لا يُبقي ولا يذر.
15/4/2014
No comments:
Post a Comment