Sunday, September 28, 2014

حوار بين الحرب والسلام





بقلم: فتح كساب

منذ ابتدأ اجتماع الإنسان وأدرك كم القوة والاستقرار الذين يوفرهما هذا الاجتماع، ابتدأت جدلية الحرب والسلام مع ما صاح ذلك من ظهور لأفكار وفلسفات وأديان كل ٌ منها يدعم طرفاً على حساب الآخر، أو موفقاً بين الثنائية المتضادة. وأحببت في هذه المادة المتواضعة أن أطرح الفكرة الصراعية بين الحرب والسلام في إطار حوار ديمقراطي يطرح فيه كل طرف حججه على ما يقول من حيث أهمية أو أحقية تقديم أو تعظيم كل منهما لنفسه وتقليله من قيمة الآخر.
تبتدئ الحرب الحوار قائلة:
الحرب: لولا القوة والجيوش لما كان هناك استقرار يحمي الاجتماع الإنساني. فأي هجومٍ علي أي تجمع سواء كان ذلك من ضواري الحيوان أو همج البشر فهو كفيلٌ بتفريق كل جمع يعيش بلا حماية أو قوة تردع كلَّ معتدٍ.
السلام: لا أرى رأيك، لسببٍ بسيط وهو أن تجمع الناس بدء سلمياً ولم يكن غرضه القوة بمقدار ما كان الأُنس بالآخرين والرغبة بالاستقرار بعد ما أضناهم الترحال. فبعد طول التأمل والفكر، هداهم ذلك إلى أن الاستقرار أحد مفاتيح السعادة. ولم يكن هناك ما يُلزمهم بذلك.
 الحرب: إن السلام الذي تدعيه أيها السلام لا يأتي من الفراغ. فما نسمعه من حِكم وأمثال الأمم القوية يقول " إذا أردت السلام فيجب أن تكون مستعدا للحرب". وما هذا القول إلا نتاج خبرةٍ تراكمت جعلت حكماء هذه الأمم يصلون إلى هذه النتائج.
السلام: القوة والحرب ليستا هما المفاتيح للاستقرار والهدوء. فها هو المفكر الكبير والمناضل العظيم المهاتما غاندي قد قهر الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس بنضاله السلمي والذي لم يحرض طوال حياته على حري ولم يقتل حتى ذبابة، فانظر كيف ازدهرت الهند وأصبحت قوة سياسية وعلمية يُحسب لها ألف حساب عند أمم الدنيا.
 الحرب: الإنسان ابن بيئته وابن الطبيعة. أنظر إلى قوى الطبيعة الجبارة من رياح ونيران وفيضانات، فحتى هذه القوى تتنافس فيما بينها في أيها الأكثر تدميراً. فنجد أن قوة الماء بتنويعاتها المدمرة هي الأقوى والأكثر بطشاً. وهذه دلالة طبيعية على أن الطبيعة ليست مستقرة وإنما تعيش حالة صراعية مستمرة. وبما أن الإنسان هو ابن هذا الصراع فالفكرة تنطبق عليه كما تنطبق على باقي مكونات الطبيعة.
 السلام: إن الكوارث هي الشواذ والشاذ قليل لا يُقاس عليه. ولا أدل على قولي من تعاقب الفصول الأربعة. فالطبيعة تعيش حالة الحياة  الولادة في الربيع بلا ضجة ولا صخب. فلا نرى إلا الجمال وغناء الطيور وابتسامات البشر مستبشرة بالمولود الجديد. وأما الصيف فهو الدلالة الواضحة على النضج المتأني الذي يعتمد تعاقب الوقت ليصل إلى حلاوة الثمر والارتقاء من الطفولة إلى الشباب. وأما الخريف فهو الاستعداد الهادئ للاستراحة بألوانه الصفراء والحمراء والبنية والذي يخفف عبأ المجهود المبذول فيما سبقه من فصول استعدادا لاستراحة الشتاء لتعاود الطبيعة والإنسان استئناف النشاط والحيوية في الربيع.  .
الحرب: ولكن القتال والحرب المقدسة أمر إلهي لا يجوز غض الطرف عنه أو تجاوزه وتجاهله. فكل الأديان انتشرت بحد السيف. فهل نع الحرب نعصي الأمر الإلهي؟
السلام: لا يا نقيضي ليس الأمر كذلك. فكل الأديان السماوية والفلسفات الأرضية إنما جاءت لتوصل الإنسان للسعادة؛ والقتل والتدمير هما قمة البؤس والشقاء. فلو تُرك الناس لحالهم لماتوا نتيجة تقدم العمر؛ ولكنهم سيموتون بهدوء وبلا حسرات كما يحدث في كل الحروب. والقتل والدم الناتجان عن الحرب لا يخلفان إلا حسرة في القلوب ورغبات متنامية بالقتل والانتقام. فكل العقلاء أجمعوا على أن الدم يَستَجر الدم.
الحرب: ألا ترى أن القدرة على صنع آلة الحرب لدلالة قوة العقل البشري وجبروته. فالعقل الضعيف لا يؤدي إلا إلى التخلف والانحطاط. فالصواريخ والدبابات وغير ذلك من أدوات الحرب جاءت نتاجا لقوة العقل والفكر.
السلام: ألا ترى الجانب الآخر من قوة العقل؟ ألم يخلق ذلك العقل أيضا وسائل الاتصال والتواصل التي خففت من حدة الجهل وفتحت قنوات جديدة لفهم الاختلاف والتعاون في جعل الإنسان وكوكبه أكثر انسجاما وسلاما.
أرى يا نقيضي أنه حان الوقت للجميع لمراجعة ووقفة مع النفس لجعل السلام أساس العيش والحياة، لإغلاق الطريق على كل محتال يستغل الدين أو العرقية لتبرير القتل والعنف الذي أرى أنه لا يمكن تبريره تحت أي مُسمى أو مبرر مهما كان.
تشرين أول 2013
   

No comments:

Post a Comment