Wednesday, May 2, 2012

سبع قصص قصيرة جدا


سبع قصص قصيرة جدا
باتريك جوهانسن
ترجمة فتح كساب

الانتظار

غَرَست البذرةَ وانتَظَرت. بعد برهة من الزمن هَطَل المطر، ضرَبَ جلدَها وأصابه بالبرد. ارتعشت من البرد لكنها لم تبرح مكانها. أشرقت الشمس مدفئة التربةَ طاردةً البردَ مِن العِظام. انتَظَرت. اندفعت غيوم مسرعةً فوق رأسها لسبب ما. أطلَّ القمر وتحركت النجوم ثم أشرقت الشمس مجددا.لم تنتظر فحسب، صَلّت وغنّت. قَرَأت القصص القديمة والأساطير والخرافات. في اليوم السابع غَفت تحت السماء الصافية. مشت قليلا عندما لَمَس يعسوب أنفها. دَقَقت في أجنحته الشبيهة بنافذة كاتدرائية، متلونة بألوان قوس قزح عند انكسار ضوء الشمس عليها، ثم عادت إلى نُعاسها بعدما طار اليعسوب.
مطر، شمس، قمر، نجوم؛ تَحَمَلتها كُلها. فَلَقت البذرةُ التربة بفضول أخضر لولبي باحثة عن كل العالم مثل علامة استفهام على لسان قديم. جَلست عليها وانتظرت أكثر؛ أياما أشهرا وعقودا.
مَرَّ صبي وسألها لماذا تَسلّقت إلى قِمَّة الشجرة. فأجابت: "لم أفعل".

أَكلُ كل ما كان

بدأت القصة بمسابقةٍ محلية لتناول النقانق. حَلَّ "لو فيربن" في المرتبة الأولى، وتأهل لمسابقة المقاطعة حيث حَلَّ ثانياً. لكن فُتِقَت مَعِدة الحاصل عل المرتبة الأولى مما مَكَّن "لو" من التأهل للمسابقة الوطنية. وفي الدولية حَلَّ ثالثا وفازت فتاةٌ يابانية رقيقة العود مثل سوط.
لم يَقبل "لو" تلك الكبوة، لذا بدأ برنامج تدريب قاسٍ. أكل كُلَّ النقانق الموجودة في البلدة، وفي المقاطعة وفي النهاية تسبب في أزمة قارِّية لمخزون المُنتجات اللحمية.
تابع تدريبه. التهم شطائر اللحم والحلوى والكعك وأي شيء استطاع حشوه في حنجرته. نما وتضخم متمددا مثل عشبة طفيلية، مثل بالون. كان الأمر سرياليا.
كانت نقطة اللاعودة عندما بدأ بالتهام السيارات. بدأ صغيرا بسيارة "داتسون" مزقها الصدأ. وبحلول نهاية الأسبوع كان يلتهم سيارات "الهمر والليموزين".
  وفي لحظة ما بدأ اندماج نووي في معدته،لكنه لم يلحظ ذلك. وبالمُختصر أصبح ثقباً أسودا – Verban X-1 – والكون يسقط فيه ببطء.

الانقلاب
أطلقوا عليَّ النار عند الفجر بسبب خطاياي، وضعوني في قبر لأحد الفقراء مع حزمة من الأزهار البرية اقتُلِعت من ضفة النهر. ندموا على ذلك وتمنوا لو بقيتُ حياً؛ هكذا أخبروني. أصغيت من بيتي الأسود تحت التراب. ماذا عساي أفعل غير ذلك؟ بحق، ماذا.
عندما انشقت السماء وانقلب العالم، اعتقدت أنها ستكون الورقة الأخيرة، نهاية العالم التي تنبأ بها القديس جون جاءت لتأخذني إلى مثواي الأخير. كانت نهاية العالم ولكن ليست القيامة الثانية للمسيح. لا شيء إلا صواريخ نووية تكنس الأحياء وتُحرر الموتى من روابطهم معنا، مُطلِقةً إيانا على عالم تحوَّل. 
 تنمو في فنائي شجرة تنتحب دماً، وحديقتي التي جززتها بمنجلي الحديدي الأسود مصنوعة من أرواح. هذا عالم جديد غريب الأطوار مُنِحتُه وأنوي الاستمتاع به.
تمنيتُ لو أن زوجتي قُتِلت قبل سقوط القنابل لتتمكن من الاستمتاع بيوتوبيا الشمس السوداء هذه، حيث لا تتنافس نبضات أحد لأنه لا نبض لأي أحد. لكن لاشيء كامل، أليس كذلك، ها؟
أترغب ببعض الشاي؟  
الخُدعة
"أتريدين رؤية خدعة؟"
إضيقَّت عيناها. "من أي نوع".
قال "لاشيء شاهدتِه من قَبل" وتناول جرعة من القنينة. لطَّخ النبيذ الأحمر أسنانه، وأضاف "أَعِدُكِ".
فقالت "حسناً". استندت في الكرسي لحظة وقوفه وقام برقصة إحماء هز فيها كتفه بشكل مُبهَم.
ترك القنينة على الطاولة فأخذتها ولفَّت شفتيها حولها واحتست ما تبقى فيها من نبيذ. كانت تشعر بدوار الثمالة ولم ترغب في إبعاده.
بلا مقدمات ولا صراخ ولا إنذار من أي نوع كان، دبت فيه ألسنة اللهب. احترق بصمت بَلَغَ حد الكمال وهو يحدَّق في روحها بعينيه الرمادية الحادة.
أَوقَعت القنينة. تحطمت، قطع خضراء في كل مكان. أرادت أن تصرخ لكنها لم تستطع. حدَّقت فيه وهو يتلاشى.
كانت هناك كومة من الرماد وبقعة سوداء على الخشب الصلب، وما من دليل على أنه وُجِدَ يوماً.   
 فُتِحَ الباب ودخل. قَفَزت من الكرسي، عانقته وقالت " كيف فعلتها؟"


رقص
على قمة تل عند الغروب رقصا رقصة أخيرة. اشتعلت الغيوم العالية بلونٍ قرمزي وفضي، وغنت له:
"آه هذه مِقصلة وهذه سكين
هذه للموت وهذه للحياة"
أدارها مثل درويش دائراً بها أكثر وأكثر ناظراً إلى شعرها الداكن الذي يلفُّ وجهها مثل بُرقعِ جنازة.

 "فتعال أيها الجلاد أربط أُنشوطتك
فحبيبي هنا ينتظرك"
أنزلها وقبَّل شفتيها القرمزيتين ثم رفعها إلى السماء. ضحكت والسرور بادٍ عليها ولم تستطع تَذكَر آخر مرة شعرت فيها بمثل هذه السعادة.     
"نحن نرقص على التلّ، نحن نتبختر على المرج
نأكل ونشرب ونبتهج حتى آخرِ نَفَسٍ فينا"
انتهت الموسيقى وأطلت أولى النجوم من القبة الشرقية. انحنى نحوها وكلاهما يتصبب عَرَقاً من شعره. كانت ابتسامتها مُبهمة.
قال " حان الوقت، أليس كذلك؟"
فردت " أجل، إنه وقت الاستيقاظ".
استَيقَظ وكان الفراش فارغاٍ وأصبح أرملاً مرة أخرى. لَبِسَ خاتمه وواجه يومه.




حارس حديقة الحيوانات
فُتحت السماء مثل فم وابتلعتني بالكامل. اجتزت حنجرتها- تجويف أسود تفوح منه رائحة الملح- وسَقَطتُ في غرفة واسعة اتساع السماء مغمورة بضوءٍ وردي خافت.
لم أكن وحدي. ليتني كنت! لكن كان هناك ثلاثة آخرين استطعت رؤيتهم، وآخرون لا حصر لهم استطعت الإحساس بهم. فَحَّ الشيء الأقرب إلي ونخر اتجاهي – وأتردد في القول أنه شخص، رغم أنه كذلك. لم أفهم لغته. لكني فهمتها مع ذلك بوساطة تقنيةٍ وضعها المُضيف في الغرفة.
" من أين أنت؟"
 قُلت " من كوكب الأرض".
"حقاً. هل تعرف أنه في لغتي اسم عالمي هو الأرض أيضاً؟"
فَكرتُ ملياً " الشمس الثالثة إذن."
"آه" لوَّح بمجسٍ وظهرت نافذة صغيرة. ظهرت فيها شمس صفراء تتقلص." شمس، أعتقد؟"
  قلت " نعم" وتنهدتُ تنهيدة مختنقة وأنا أشاهد شمسي تتضاءل وفي النهاية تختفي.
قال الشيء " ستعتاد ذلك في النهاية"    


نهاية كل الأشياء
في البداية انقضضنا على الموت بأقراص الدواء وبالإشعاع المُوجَه وبالعوازل المنسوجة في اللحم البشري. وجاءت تاليا الأمواج الضوئية المدموغة التي تضبط العقل- سجل الإنسان- والتي شجبها الكاثوليك والبروتستانت والمسلمون لأنها أضواء ضد الروح.عبادة الأسلاف في "الشنتو" أصبحت واقعاً: تبجيل المكعبات الخشبية اللامعة التي احتوت سجلات كمية عن الأجداد العظماء.     
سرعان ما تركنا كوكب الأرض خلفنا- مسكن مكتظ- وشققنا طريقنا للخروج. قولبنا العوالم على ميولنا ثم دونّا وَعيَنا في السواد الزَبَدي للوقت. وبعد كم كبير- لكنه معلوم- من الدهور، تركنا المجرة خلفنا – مسكن مكتظ- وغامرنا بالذهاب أبعد.
تركنا هويتنا خلفنا واندمجنا في الإلوهية وكتبنا قصائد على أسطح النجوم وغنينا أغانٍ لقلوب السوبرنوفا الحديدية. والآن الكل تشتت. انطفأت النجوم قبل تريليون عام ونقول لنفسنا " قمنا بتجوال جيد"
    

عن الكاتب      
وُلِد باتريك جوهانسن في بلدة صغيرة في كندا في 1/1/1973 . وهو كاتب ٍ ومدرب للجودو ومُبرمج مواقع إلكترونية . نُشِر له كتابات على الإنترنت وفي الصحف . يكتب القصة القصيرة والخيال العلمي وبدأ العمل على كتابة الرواية. فاز بجائزة مانيتوبا للقصة القصيرة عام 2004 . ويعيش الآن في مدينة مانيتوبا مع زوجته.


No comments:

Post a Comment